مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...


إشكالية المساطر والأهداف
 في ممارسة العمل الجمعوي بين الجمعيات والتعاونيات  
                          
                            
مقدمة
       تعرف منظمات المجتمع المدني تزايدا مثيرا للاهتمام، ليس فقط من حيث تكاثرها وتراكم تجاربها وتنوع اختصاصها وميادين اشتغالها، ولكن أيضا من حيث حركيتها وامتدادها الاجتماعي والثقافي والتنموي، العامل الذي نجد فيه مبررا للتعديلات التي أدخلها المشرع المغربي على مجموعة من القوانين ذات الصلة بمنظمات المجتمع المدني، والتي منها الظهير الشريف رقم 1.02.206 المؤرخ في 23 يوليو 2002 المؤطر لقانون الجمعيات، والقانون رقم 83-24 المتعلق بتحديد النظام الأساسي للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون الصادر بشأن تنفيذه الظهير رقم 226-83-1 المؤرخ في 5 أكتوبر 1984، بيد أن الممارسة العملية المواكبة لتنزيل هذين القانونين إلى أرض الواقع سواء على مستوى المساطر أو الأهداف، سجلت ارتباكا في القراءة السليمة لمقتضيات النصوص القانونية من قبل بعض الفعاليات الثقافية المسؤولة والكثير من الممارسين للعمل الجمعوي، مما أدى إلى إفراغه من محتواه الثقافي والتنويري والتنموي  ذي القيم النبيلة القائمة على مفاهيم التضحية والعطاء والتطوع، إلى مجرد شكليات إجرائية يراد لها أن وسيلة قانونية لأهداف مادية .
مفهوم الجمعية والتعاونية

      الفصل الأول من قانون الجمعيات يعرف الجمعية بأنها "اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم"، والفصل الأول قانون التعاونيات يعرفها بأنها "جماعة تتألف من أشخاص طبيعيين اتفقوا أن ينضم بعضهم إلى بعض لإنشاء مشروع يكون الغرض منه أن يتيح لهم وحدهم الحصول على المنتجات والخدمات التي هم في حاجة إليها"، والفصل الرابع من نفس القانون يؤكد أن "التعاونيات أشخاص معنوية تتمتع بأهلية قانونية كاملة وبالاستقلال المالي".
     فالاتفاق الجماعي في إنشاء الجمعية والتعاونية شرط لا يلزمه النص فحسب، بل يلزمه كذلك مصطلح(التعاون) الوارد في القانونين معا؛ بحيث لا يتصور أن يتعاقد شخص مع نفسه، في حين تثبت بعض الوقائع الشاذة أن الاتفاق يصدر عن فرد واحد،  بينما بقية من يسمون بأعضاء المكتب المسير يتم التعامل معهم ككائنات هلامية صورية، تكتفي بمنح العضو المؤسس نسخة لبطاقتها الوطنية وتختفي، من غير جمح عام ومن غير حضور لممثل السلطة الذي يتسلم بعد ذلك محضرا محررا يوقع عليه وكأنه ( عاين اتفاقا بجمع عام حضره جمهور غفير من الناس ).

مسطرة التأسيس

    وحسب الفصل 5 من قانون الجمعيات والفصلين 5 و 7 من قانون التعاونيات تبقى مسطرة التأسيس متشابهة باستثناء قيام  مدير مكتب تنمية التعاون بتبليغ التصريح بالتعاونية إلى عامل الإقليم أو العمالة المعنية وإلى السلطة الحكومية المسؤولة عن قطاع نشاط التعاونية، أما بالنسبة للجمعية فيكفى قيامها بتوجيه الملف القانوني إلى وزارة الشباب قصد الاستفادة من برامجها ودعمها المادي واللوجستي.
    مع الإشارة إلى أن الحد الأدنى لأعضاء المكتب المسير في الجمعية غير محدد شريطة أن يفوق شخصا واحدا، مع اعتبار العدد الشفعي كآلية فنية للتصويت، بعكس التعاونية التي يتوجب أن يفوق أعضاؤها على الأقل سبعة أشخاص طبيعيين. ومن جهة أخرى يوظف قانون الجمعيات كلمة ( شخص ) على إطلاقها لتشمل مكنة تأسيس جمعية من طرف أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، بخلاف قانون التعاونيات الذي قيد هذه الكلمة بعبارة( طبيعيين ) لتبقى مكنة تأسيس تعاونية غير متاحة للأشخاص الاعتباريين، وإن استدرك المشرع بعد ذلك في  الفصلين 1 و2، وسمح للأشخاص المعنويين أن يصبحوا أعضاء في التعاونية إذا توفرت الشروط القانونية.

الأهداف

   تهدف الجمعية والتعاونية إلى تنظيم مجموعة من الأفراد في كيان قانوني واحد يعبر عن آرآئهم ويلبي حاجاتهم وفق استراتيجية تؤطرها النصوص التشريعية، وبالتالي فعنصر استهداف الأرباح هو المعيار الجوهري للتمييز بينهما، مما يجعل استبعاد الربح المادي في العمل الجمعوي واستحضاره في العمل التعاوني شرطا حاسما لشرعية هذا العمل طبقا للفصل الأول من قانون الجمعيات ( الجمعية هي اتفاق لغاية غير توزيع الأرباح )، والفصل الأول من قانون التعاونيات ( أشخاص طبيعيين اتفقوا لإنشاء مشروع يكون الغرض منه الحصول على المنتجات والخدمات التي هم في حاجة إليها"، مع اعتبار مقتضيات الفصل الثاني من نفس القانون التي ضمن للمنضمين اللاحقين نفس الاستفادة، لأنه باتساع دائرة المشاركين في التعاونية تتسع دائرة المردودية وبالتالي يتقوى الإنتاج المدر للربح، وهذه غاية العمل التعاوني.
       فالجمعية والتعاونية كلاهما تستهدفان العائد، لكن طبيعة العائد المستهدف مختلفة تماما؛ فهو في الممارسة الجمعوية ذو طبيعة معنوية صرفة وفي الممارسة التعاونية ذو طبيعة مادية صرفة. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع يسمح بتداخل الطبيعتين عندما يتأسس كيان جمعوي حامل لاسم ( جمعية تعاونية )، يتضمن بنودا بسمات الجمعية وخصائصها وبنودا بسمات التعاونية وخصائصها، فتعمل الجمعية / التعاونية حينئذ على تطبيق قيم ومبادئ خاصة كنشاط جمعوي؛ لضمان شروط إنتاج خاصة كنشاط تعاوني، وهكذا تسعى الجمعية/التعاونية إلى تطوير نماذج اجتماعية تضمن احترام كرامة الإنسان وفرص التعبير من غير تجاهل للأوضاع المادية التي ينبغي أن يؤول الانتفاع بها للجميع ووفق التناسبات التي يقرر القانون المؤسس.

ملاحظة نقدية

     والملاحظ أن الأهداف المتوخاة من تأسيس الجمعيات والتعاونيات تعرضت في الآونة الأخيرة للهدر والتجاهل، وصار العمل الجعوي مطية للإثراء اللامشروع،  فعلى مستوى الجمعيات ظهر ما يطلق عليه في  دواليب الجماعات الترابية بالجمعيات الورقية، ينحصر نشاطها في الوجود القانوني دون الوجود الفعلي / التفاعلي القائم على تنفيذ البرامج بكيفية تطوعية تلقائية دون مساومات أو مقايضات، وأصبحت جهود بعض الجمعويين تتجه إلى تجميع الهبات والمساعدات، وتجتهد في كيفية الحصول بالسرعة الممكنة على الدعم المالي والمنح، وهو سلوك مرفوض حول مفهوم الجمعية إلى مؤسسة ريعية تسعى إلى الربح المادي بأساليب تصل في بعض الأحيان إلى أدنى مستويات الندالة والميوعة والنرجسية، على حساب الغايات المعلنة التي تجعل من القانون التأسيسي تعاقدا اجتماعيا تلتزم به اتجاه المنخرطين والأغيار والدولة، إن ظاهرة السعي إلى الظفر بحظ من ثروة الشعب ومقدراته بوازع الانخراط في اقتسام الغنيمة تحت يافطة العمل الجمعوي ظاهرة عدمية وجبانة،أفسدت على التنظيمات المجتمعية الجادة مشروعها التنموي، وعمقت الهوة بين الوجود المادي لهذه الكيانات الطفيلية وبين الجماهير التي آثرت العزوف عن كل تنظيم اجتماعي، واعتباره شكلا من أشكال التنظيمات المارقة والمتنكرة لرسالتها النبيلة في الدفاع عن حق الإنسان في الاجتماع والاستماع وتبادل الرأي والاستفادة من التجارب والخبرات وتنمية المواهب والقدرات وترقية الوعي والذوق والشعور بالأمل والجمال، بعيدا عن منطق الاستبلاد ولغة الربح والخسارة والاحتراب على المال والسلطة والنفوذ.  
   وعلى مستوى التعاونيات، أفرزت نظرية التنمية البشرية نزوعا إلى استغلال المال العام، فظهرت تعاونيات بمشاريع خيالية تعد بالتنمية المستدامة، للحصول على تراخيص التأسيس التي تتوج بتحصيل مبالغ مالية تذهب إلى جيوب الانتهازيين عوض الطاقات المعطلة والفئات المعوزة والبطون الجائعة. 
    
خاتمة

     إن تحصين العمل الجمعوي والتعاوني من اختراق الانتهازيين لا يمكن تحقيقه عن طريق حجب المنح وأشكال الدعم التي تقدمها الدولة للجمعيات والتعاونيات، كما لايمكن تحقيقه عن طريق التنديد والاستنكار من قبل الفاعلين الجمعويين بدعوى أن دعم العمل الجاد هو الكفيل بتطويق مظاهر الانتهازية التي تتهدد المشهد الجمعوي، بل لا بد من تدخل الجهات المعنية من وزارة الشباب والتعاون الوطني والداخلية والعدل والثقافة كل في الجانب الذي يخصه من أجل الحفاظ على عمل جمعوي نظيف قادر على إنتاج جيل نظيف ترقى أخلاقياته إلى مستوى تطلعاتنا وآمالنا.

 عبدالجبار بهم 
مراكش في 03 /09 / 2014



عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية