مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مع الفنان الساخر محمد زاكي بوكرين

من وحي الإبداع الملتزم
مع الفنان الساخر 
محمد زاكي بوكرين
عبدالجبار بهم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
سعدت كثيرا عند مشاهدة ما جادت به سنة 2015 من روائع فنية أبدعها الفنان الساخر، الأستاذ محمد زاكي بوكرين، وأعتبرها بتوافق مع من شاهدها من أصدقائي بمثابة استطرلاب يحيل كرونولوجيا على أبرز أحداث السنة التي نودعها؛ 
سياسيا: أنا ماشي إرهابي | بالأمس حكاية واليوم حكاية | قبة البرلمان...
اقتصاديا : الصحراء مغربية..
اجتماعيا : الحلزون,, ميلود| الحلزون ,, الجزر...
وفلسفيا أو حقوقيا: نيبالا | واك ولك الحق....،
منتوج فني من هذا النوع وتجربة مثيرة للتأمل من هذا القبيل، يستحيل أن توحي بغير الملاحظ التالية:
1_ محمد زاكي بوكرين واحد من الجيل الرائد، خريجي المعهد العالي للتكوين المسرحي والتنشيط الثفافي نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، الجيل الذي قرر صادقا التنازل عن مدرجات الجامعة بعد حصوله على الباكالوريا والتوجه إلى الدراسات العليا في المسرح لمعانقة الخشبة، والبوح بمخاضات الكواليس وأسرار مونطو دارلوكين، محمد زكي بوكرين من القلة القليلة في هذا الجيل الذين حافظوا على التوهج المسرحي في ذواتهم، ولم تغرهم أضواء التلفزيون ولا السينما، لأنهم منذ البداية قرروا أن بهبوا حياتهم قربانا لما نسميه نحن مسرحا، وهو في الواقع كائن ميتافيزي متغلغل في أعماقنا، متجدر في وجودنا الإنساني منذ الأزل ومهيمن عليه إلى درجة القسوة، لا لنكون عبيدا له ولكن لنكون أحرارا به، نتمثل الأشياء حين يعجز غيرنا عن التمثل، ونصدع بالحق جهرا؛ إيجاءا وإيماء وتصريحا ولو في وجه مكابر جائر، هذا الجيل الذي يعتبر محمد زاكي بوكرين أحد أفراده نهل من معين أساتذة مرموقين في المسرح العالمي والمغربي، وعرف كيف يصقل موهبته وحسه الفني بأصول وقواعد الفن المسرحي على يدي ثلة من أولئك الأساتذة الذين كانوا على اطلاع واسع بأبي الفنون، والجميل أن الفنان محمد زاكي بوكرين عندما التحق بالمعهد العالي للفن الدرامي والتنشيط الثقافي تشبع بثقافة وقواعد فن الجنون، لا ليتقمصها كجبة الأستاذ \ الفقيه، بل ليثور عليها ويفجر من داخلها شخصية الفنان الساخر العنيد الأبي الصادم الذي رأيته في روائعه الفنية المؤرخة لأبرز أحداث سنة 2015.
2_ محمد زاكي بوكرين مسرحي مثقف، واسع الاطلاع كما عرفته عن قرب، قارئ ذكي، يكثر من متابعة المستجد في عالم المسرح والسينما والأحداث الوطنية والدولية، ولا يستأنف يومه بشكل طبيعي إلا بعد الانتهاء من أخر صفحة في الجريدة وحل كلماتها المتقاطعة. البعد المسرحي الثقافي في أعمال هذا الفنان الساخر المطبوع بتقنيات الارتجال، حاضرة بقوة في طريقة انتقائه لموضوعات اشتغاله، وفي الكيفية التي يبلور بها هذه الموضوعات بحيث يفضج عورتها ويكشف عن تناقضاتها، ويضع جمهوره في حيرة السؤال الذي ينتهي بعد الضحك إلى إثارة الألم والقلق والتمرد، مع هذا القنان يصير للكوميديا مضمونا تراجيديا، لأنه وبفضل ما يمتلك من مهارات المسرحي المثقف، يطوع القضايا العامة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا لنسقه النقدي، ويبطنها بصور كاركاتيرية صريحة ومباشرة في الوخز واللسع والتقريع.
   وهنا تكمن هوية المسرحي المثقف المهموم لهمومنا القلق لحيرتنا، الناقم على تقاعسنا وانبطاحنا تحت وطأة ناهبينا المنتفعين بانكساراتنا وجراحاتنا واستسلامنا البئيس، وهي هوية أقوى من هوية محمد زاكي بوكرين نفسه الشخص الموظف الوطني الغيور المسالم كالمسالمين منا والمثابر المتصابر كالمثابرين المتصابرين منا، لكنه وككل مساء، حين يعود إلى محرابه الذي سماه ورشة، تتقمصه هويته الأقوى التي تخرجه من الآمه وانشغالاته الخاصة إلى آلآم الانتماء العام لوطن مافتئ يتسع بانشغالات التدافع السياسي والتهافت الاقتصادي والتدهور الثقافي والاحتكار الديني والتمزق الأخلاقي، وطن كبير وجميل بحجم وطننا وكبره وجماله يرزح تحت نير هذه الانشغالات والتمزقات، وطن لا يمكنه والحالة هكذا إلا إن يحرق كبد كل مسرحي مثقف غيور، يدرك جيدا أنه حين قرر أن يكون مسرحيا حقيقيا جادا، فقد قرر أن يهدي روحه ودمه وأعصابه قرابين لأعدائنا من أجلنا ومن أجلنا لا غير. وبلا مقابل...
3_ محمد زكي بوكرين الأكاديمي المسرحي المثقف، هي الثلاثية _ إذن _ التي أنتجت بلا شك مارأيته من فيديوهات ساخرة ورائعة لهذا الأستاذ \ الفنان، تمازجت فيها كل أبعاد هذه الصفة الثلاثية، فكان العمل إبداعيا بمواصفات تجريبية ستكون رائدة لا محالة، ويمكن تلمس مظاهر هذه الريادة من خلال العناصر التالية:
_ العرض المفتوح لجمهور افتراضي يتسع حجمه ويضيق حسب المترددين على شبكة الأنترنيت من خلال موقع يوتوب وشبكات التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، وما شاء الله واللهم لا حسد، فقد أصبح هذا الفنان الساخر يتوفر على نسبة عالية من المشاهدين لأعماله، فتحدى بذلك عوامل الخنق والتهميش المضروبة عليه داخل مدينة عذراء مهمشة، كانت وما تزال وستظل معتقلا مشرعا للفنانين والأدباء والمبدعين.
      سياسة تكسير الحصار هذه أبانت عن طينة هذا الفنان الساخر وأكدت بالملموس أنه من طينة مترفعة عن الماديات، ولا تسعى للكسب مقابل الفن الهادف، وبالتالي كرست تعاطيه المثالي مع رسالته النبيلة، ووعيه المسؤول بوظيفتها التنويرية.
    تقديم فقرات ساخرة في عرض لجمهور افتراضي وبآليات ووسائل بسيطة وثابتة، واعتماد الإنارة الطبيعية ومن غير ديكور أو ماكياج أو أكسسوارات في معظم الفيديوهات، ومن غير مؤثرات صوتية أو بصرية أو حركية.
    كل هذا البناء السيميولوجي هو ما يكرس لريادة التجربة بوصفها حسب تصوري واعتقادي أنها تؤسس لما يمكن أن أسميه بالمسرح الرقمي الفقير( مع تنبيه من لا يعرف مدرسة المسرح الفقير أن التسمية تشريف لثراء هذا المسرح الذي كان يعالج قضاياه في شروط مختلفة عن الشروط التي كان يعالج فيها المسرح الكلاسيكي الباذخ قضاياه )، فتجربة هذا الفنان الساخر توظف تقنية رقمية أنتاجها التطور المعلومياتي، لكن بأدوات بسيطة وفقيرة تخترق المعيقات التواصلية، وتكتفي بالمتأتى منها في سبيل اللقاء الافتراضي، مع الجمهور الافتراضي، وعلى الخشبات الافتراضية، في انتظار مكاءات وتصديات افتراضية.( المكاء والتصدية أسلوب في العبادة كانت العرب في جاهليتها تستعمله حول الكعبة، ويقوم على الدعاء والتصفيق )
_ العرض الافتراضي الذي تؤسس له تجربة الأستاذ \ الفنان محمد زاكي بوكرين وفق ما أسميته بالمسرح الرقمي الفقير، بلور قيمة مضافة لدور الصوت والإلقاء والملامح والانفعالات، إذ أن غياب كل المكونات الفنية الخارجة عن جسد الممثل، جعل الجمهور الافتراضي على مسافة قريبة جدا من الممثل، وأصبح الذي يجلس في آخر مقعد كالذي يجلس في أوله، هم في الاستمتاع بالكلمة على حد سواء، وهذا في الحقيقة اختراق مسرحي للعالم الرقمي وتيسير الشقة على المسرحيين الذين يشكون ضيق صالات العرض أو انعدامها أو فوضى الجمهور وعدم انضباطه.
_ العرض الافتراضي المفتوح الذي تؤسس له تجربة الأستاذ \ الفنان محمد زاكي بوكرين وفق ما أسميته بالمسرح الرقمي الفقير، بلور قيمة مضافة أيضا لدور الإلقاء الارتجالي لمتن تتكاثف فيه لغة النثر الشعري مع الصور الزجلية التهكمية، متن أعد سلفا بطريقة تترتب فيها الأفكار أولا بأول، والذي يستحكم في هذه التراتبية هو سلسلة من المفاتيح السجعية والاشتقاقية وقوافي الزجل الارتجالي، وهي سلسلة تحيط بموضوع العرض، فتجعله بليغا ومقتضبا ومنتجا لتراكم غني بالمواقف الساخرة، التجربة إذن تلفت الانتباه إلى أهمية الزجل الساخر في إثراء النصوص المسرحية..
عبدالجبار بهم
مراكش في 31\12\201
5
 

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية