مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

قراءة في المدونة التجارية المغربية



قراءة في المدونة التجارية المغربية

 بقلم عبدالجبار بهم   
  اشتملت مدونة التجارة على مجموعة من القضايا الإجرائية المتصلة بممارسة النص القانوني على أرض الواقع كالتسجيل والإشهار والآجال وغيرها. وسنركز على بعض المشاكل التي أثارها تطبيق هذه النصوص؛ ذلك أن المشرع حين قرر تلك الاجراءات كان محكوما بهاجس الرغبة في جعلها قابلة للتطبيق مشجعة على الاستثمار، بل وقادرة على استقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية من أجل إنعاش المقاولة المغربية وازدهار الاقتصاد الوطني، فهل تحظى القضايا الإجرائية المدرجة في مدونة التجارة بالمنطقية والواقعية اللتين تمكناها من التطبيق بسهولة محققة بذلك مقاصد المشرع؟، أم أن طبيعتها تجعلها متجاوزة وغير قابلة للتطبيق؟. وإذا الأمر هكذا، فما حكم الجزاءات المنصوص عليها في مدونة التجارة هل تطبق فعلا على أرض الواقع أم أنها فقط جزاءات تخويفية وفزاعية؟. 
    لنبدأ بالجانب المتصل بصعوبات المقاولة من خلال بسط الملاحظات التالية:
      أولا: تنص المادة 567 من المدونة التجارية على أن المحكمة " تبت بعد 15 يوما على الأكثر من رفع الدعوى إليها ".
على مستوى الممارس تطرح هذه المادة إشكالية التقيد بأجل 15 يوما وذلك لمجموعة من الأسباب  يمكن إجمالها  فيما يلي :
1 - إن المحكمة ملزمة بالتثبت  والتحري ومعالجة مختلف  وسائل الإقناع قبل الحسم  في مدى جدية الطلب الرامي إلى فتح مسطرة صعوبات المقاولة.
2- إن المحكمة مطالبة وفق الفقرة الأولى من المادة 562 من مدونة التجارة بأن تدقق في دراسة التصاريح المودعة لدى كتابة الضبط ومدى توفرها على العناصر الموجب للبت من حيث جدية المبررات المؤدية للتوقف عن الدفع.
3- إن معظم الشركات إن لم تكن جميعها لا تمسك الوثائق المحاسبية بشكل نظامي، كما أنها لا تتعامل مع المقتضيات القانونية بطريقة حضارية.
4- إن غياب الوثائق المحاسبية يجعل المحكمة تلجأ إلى إجراء البحوث والخبرات تنفيذا لمقتضيات المادة 567 من مدونة التجارية من أجل  تعليل  حكمها القاضي بفتح مسطرة صعوبات المقاولة تعليلا سليما.
5-  إن التأكد من واقعة  التوقف عن الدفع تفرض تحديد مفهومه القانوني والاقتصادي وهذا يستلزم وقتا لا يسعه أجل 15 يوما.
لذلك فهذا الأجل غير كاف ومن الملائم تدخل  المشرع لتمديده  حتى تكون السرعة المنشودة  في البت فاعلة ومنتجة للآثار المتوخاة منها.
    ثانيا : من جهة أخرى تنص المادة 579  من مدونة التجارة على أنه : " يجب على السنديك  أن يبين  في تقرير يعده ، الموازنة المالية والإقتصادية الإجتماعية، وذلك بمشاركة رئيس  المقاولة  وبالمساعدة المحتملة لخبير أو عدة خبراء. وعلى ضوء  هذه الموازنة، يقترح السنديك إما مخططا للتسوية يضمن استمرارية المقاولة أو تفويتها إلى أحد  الأغيار أو التصفية القضائية.
يجب أن تعرض هذه الاقتراحات على القاضي المنتدب داخل أجل أقصاه  4 أشهر تلي  صدور حكم  فتح المسطرة، ويمكن أن يجدد مرة واحدة  عند طلب السنديك ".
من خلال التطبيق الواقعي لأجل 4 أشهر المنصوص عليه في هذه المادة اتضح أن الإلتزام به يطرح الكثير من الصعوبات  يمكن إجمالها  فيما يلي :
1-   انعدام التعاون مع السنديك للقيام بمهمته  داخل الأجل المحدد.
2- إن السنديك  ملزم بدارسة مختلف وثائق المقاولة  وهي وثائق تختلف من شركة الى اخرى بحسب حجمها ونوع النشاط الذي تمارسه .
3- إن هذه الدراسة يفترض فيها أن تسفر على موازنة  دقيقة للوضعية المالية  والإقتصادية والإجتماعية للمقاولة وهي موازنة تستلزم التدقيق في الوثائق المحاسبية والادارية للشركة مع اعطاء الاهمية اللازمة لوضعية العمال.
4- إن عدم إلمام السنديك بكافة التخصصات يفرض عليه في معظم الأحيان الإستعانة بخير أو عدة خبراء لإنجاز مهمته وفق الكيفية المطلوبة قانونا.
5- إن عدم التزام السنديك بالأجل المشار إليه أعلاه قد يؤدي إلى استبداله طبقا لمقتضيات المادة 644 ، وهذا الوضع يزيد في تطويل المسطرة .
          لذلك فالأنسب منح السنديك  فترة كافية من أجل ضع تقريره على أن تكون هذه الفترة أطول من 4 أشهر.

     ثالثا : من جهة أخرى تنص المادة 694 من مدونة التجارة على ما يلي : " يعد السنديك داخل أجل أقصاه ستة أشهر ابتداء  من صدور حكم فتح المسطرة، بعد مطالبة رئيس المقاولة بابداء ملاحظاته على التوالي مع استيلام التصريحات بالديون، قائمة بالديون المصرح بها مع اقتراحاته بالقبول أو الرفض أو الإحالة على المحكمة، ويسلم السنديك القائمة إلى القاضي المنتدب ".
    هذه المادة تفرض على السنديك وضع قائمة الديون  المصرح بها بعد القيام بالإجراءات التالية:
1- على السنديك أن يطالب رئيس المقاولة بمده بلائحة الدائنين داخل أجل 8 أيام  ابتداء من تاريخ فتح المسطرة، وغالبا لا يلتزم رئيس المقاولة بهذا  الأجل، وأحيانا يكون رئيس المقاولة مختفيا عن الأنظار مما يعقد مهمة السنديك أثناء إعداده للقائمة.
2-    يجب على السنديك  دارسة المبالغ المصرح بها مع  تحديد اسماء الدائنين العاديين والممتازين.
3- صياغة الإقتراحات  بالقبول أو الرفض أو الإحالة على المحكمة، وهذه الإقتراحات تتطلب التدقيق في الوثائق والحجج المثبتة للدين.
لذلك فأجل 6 أشهر  يبدو غير كاف ويستحسن تمديده.
- تنص المادة 686 من المدونة على ما يلي : " يوجه كل الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور حكم فتح المسطرة، باستثناء المأجورين، تصريحهم بديونهم إلى السنديك.
يشعر شخصيا الدائنون الحاملون ضمانات أو عقد ائتمان إيجاري تم شهرهما إذا اقتضى الحال، في موطنهم المختار. يجب التصريح بالديون  حتى وإن  لم تكن مثبتة في سند. يمكن للدائن أن يقوم بالتصريح بالديون بنفسه أو بواسطة عون أو وكيل من اختياره. "

وتنص المادة 687 على أنه : " يجب تقديم التصريح بالديون  داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرسمية. ويمدد هذا الأجل بشهرين بالنسبة إلى الدائنين القاطنين خارج المملكة المغربية. فيما يخص  المتعاقدين المشار إليهم فـي المادة 573 ، ينتهي أجل التصريح 15 يوما بعد تاريخ الحصول على التخلي عن مواصلة العقد، إذا كان  هذا التاريخ لاحقا لتاريخ الأجل المنصوص عليه  في الفقرة الأولى ".
      هاتان المادتان تطرحان مجموعة من الإشكاليات من قبيل :
1- من هم الدائنون المقصودون في المادة 686 ؟ هل هم الدائنون المصرح بأسمائهم من طرف المدين عند إيداع طلب فتح المسطرة ؟ أم هم  عموم الدائنين بمن فيهم الدائنون الذين توصل إليهم السنديك ولم تدرج أسمائهم ضمن القائمة المصرح بها من طرف المدين ؟
2 – وإذا كانت الفقرة الثانية من المادة 686 تنص على إشعار الدائنين الحاملين  لضمانات أو عقود ائتمان إيجاري، فهل يحق للسنديك إشعار كافة الدائنين وخاصة أولئك الذين لا يتوفرون على ضمانات؟
   والملاحظ أنه ينبغي  للسنديك إشعار الدائنين العاديين ليبادروا إلى التصريح بديونهم، وإلا فما الغاية من ذكر أسمائهم إذا كان السنديك ممنوعا من القيام بهذا الإجراء؟.
   وقد استند هذا الرأي على المبررات التالية :
1- إن دور القضاء هو حماية الحقوق والسنديك يساعد القضاء في تحقيق هذه الحماية. فإذا  لم يقم باستدعاء الدائنين العاديين وفاتهم أجل التصريح ضاع حقهم  وهذا يتنافى مع تحقيق العدالة.
2-  إن عموم الدائنين ليسوا على جانب كبير من الثقافة الإعلامية التي تجعلهم دائمي الإطلاع على الجرائد العادية والجريدة الرسمية بصفة خاصة، ولذلك فالسنديك هو الوسيلة الأضمن لإشعارهم بأن المقاولة في وضعية توقف عن الدفع.
وفي إطار التصريح بالديون يمكن التساؤل عن المآلات التي تنتهي اليها حالة عدم قبول التصريحات التي ترد بعد فوات الأجل المنصوص عليه في المادة 687،  وبعد ممارسة طلبات رفع السقوط دون جدوى، ماهو مآل هذه التصريحات؟،  وهل يضيع أصحاب هذه الديون في حقوقهم ؟.
     وإذا تعلق الأمر بديون عمومية فهل يصح مواجهتها بعدم التصريح لاسيما تلك التي لم يصرح بها داخل الأجل في انتظار إنهاء المحاسبات  السنوية ؟.
    وإذا كان العمال معفين من التصريح  بديونهم  وفقا لمقتضيات المادة 686، فمن المسؤول عن حماية حقوقهم والتصريح باسمهم ؟

     وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على أن السنديك هو المكلف بمهمة الدفاع عن حقوق العمال وتحقيق ديونهم، وتم اقتراح نص واضح بخصوص  تدخل السنديك لحماية حقوق العمال.
ومن جهة أخرى يمكن التنبيه إلى أهمية تفعيل دور مندوبي العمال من أجل  تحقيق الحماية الحقيقية للمؤجرين بعيدا عن التصرفات الكيدية التي  تضحي بحقوقهم. واقتراح انتخاب مندوب للعمال في حالة عدم وجوده أثناء فتح المسطرة.
من جهة أخرى تشير المادة 573 التي تنص على أن العقود الجارية تنسخ بقوة القانون بعد توجيه إنذار إلى السنديك للحسم بشأنها  وبقي الإنذار بلا جواب مدة تفوق شهر ، وتبين  أن هذه المدة غير كافة للسنديك ليقوم بدراسة مجموع العقود الجارية وتحديد مدى أهميتها ودورها في الحفاظ على استمرارية المقاولة، ويمكن الوقوف على الصعوبات التي تعترض  عمل السنديك  في هذه الحالة من  خلال ما يلي :
1-   إن العقود الجارية ليست دائما على درجة واحدة من التكافؤ.
2-  إن السنديك لا يستطيع الحسم بشأن العقود البنكية التي يمكن للمؤسسات البنكية إيقافها بقوة القانون طبقا لمتقضيات المادة 503 وما يليها من مدونة التجارة، وهو ما يشكل نقطة تعارض بين هذه المادة والمادة 573 .
3- إن السلطة التي منحت للسنديك بشأن الحسم في أهمية العقود الجارية أو عدم أهميتها هي سلطة خطيرة ، وكان من الأنسب  اسنادها إلى القاضي المنتدب بنص صريح، كما أن الأجل الذي منح للسنديك للقيام بهذه المهمة هو أجل غير كاف ويستحسن تمديده.
وبخصوص العقود البنكية والمسؤولية المترتبة عنها سواء في مواجهة الأبناك أو في مواجهة الزبناء  تنص المادة 488 من مدونة التجارة التي على ما يلي :
         يجب على المؤسسة البنكية قبل فتح أي حساب التحقق  :
-    فيما يخص الأشخاص الطبيعيين من موطن  وهوية طالب فتح الحساب بناء على بيانات بطاقة التعريف الوطنية أو بطاقة التسجيل بالنسبة للأجانب المقيمين أو جوار السفر أو ما يقوم مقامه لإثبات الهوية بالنسبة للأجانب غير المقيمين.
-   فيما يخص الأشخاص المعنويين من الشكل أو التسمية  وعنوان المقر وهوية  وكذا رقم الضريبة على
  الشركات أو رقم السجل التجاري أو رقم البتانتا.
  تسجل المؤسسة البنكية مواصفات  ومراجع الوثائق المقدمة.
     يتبين من مقتضيات هذه المادة ما يلي :
1- يفترض في الأبناك كمؤسسات مانحة للقروض التأكد من هوية الشخص الذاتي أو المعنوي  واستجماع كافة البيانات المتعلقة به فتحت طائلة مسؤوليتها التقصيرية.
2- يفترض في الأبناك أيضا متابعة مصاريف القرض  وأوجه تصريفه ومدى التزام الزبون بتنفيذ المشروع الذي  سحب القرض  لفائدته.
3- إذا تعلق الأمر بكتلة بنكية وجب عليها  المتابعة المستمرة للمشروع تحت طائلة توزيع المسؤولية
   التقصيرية في الشق الذي طاله الإخلال الخاص بكل بنك على حدة.
   وقد لوحظ غياب النص الصريح الذي يرتب على البنك الجزاءات المترتبة عن المسؤولية التقصيرية وإن كانت توجب اجتهادات قضائية في الموضوع.
     وبخصوص المادة 525 التي تنص على ما يلي :
" يفتح الإعتماد ولمدة معينة قابلة أو غير قابلة للتجديد ، أو لمدة غير معينة، لا يمكن فسخ الإعتماد المفتوح لمدة غير معينة بصورة صريحة أو ضمنية، ولا تخفيظ مدته إلا بعد تبليغ إشعار كتابي وانتهاء أجل يحدد عنه فتح الإعتماد، دون أن يقل هذا الأجل عن ستين يوما. ينتهي  الإعتماد ولمدة معينة بقوة القانون بانتهاء المدة المحددة من غير أن يكون البنك ملزما بإشعار المستفيد بذلك ، سواء كان الإعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة، فإنه يمكن للمؤسسة البنكية قفل الإعتماد دون أجل في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع أو في حالة ارتكابه لخطأ جسيم في حق المؤسسة المذكورة أو عند استعماله للإعتماد. ويؤدي  عدم احترام هذه المقتضيات من طرف المؤسسة إلى تحميل المسؤولية المالية ".
وفي هذا الصدد يمكن التساؤل حول مفهوم الخطأ الجسيم ومفهوم التوقف عن الدفع الواردين في هذه المادة. وهل هناك علاقة بين هذه المادة ومقتضيات  المواد من 502 إلى 504 بشأن التزام البنك بعدم فسخ الإعتماد بمقتضى المادة 525. وحق البنك في قفل الحساب بعد فتح مسطرة التسوية القضائية للزبون بمقتضى المادة 503 في الفقرة التي تنص على ما يلي : " يقفل الحساب أيضا بالوفاة أو إنعدام الأهلية أو التسوية أو التصفية القضائية للزبون "، وهل هناك إمكانية لتطبيق المادة 575 من مدونة التجارة على الديون المنفذة بعد تاريخ فتح المسطرة والمبنية على الاعتماد المفتوح قبل فتح مسطرة التسوية.أم أن هذه الديون داخلة في إطار الديون التي تتمتع  بحق الأسبقية في الأداء.

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية