مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

حقوق الأشخاص المعاقين في التنقل ببلدنا

The rights of people with disabilities to move around in our country
بقلم: عبدالجبار بهم

 أرضية المداخلة

     عندما نتحدث عن حق المعاق في التنقل، نكون قد ارتقينا بمستوى لغتنا من خطاب الاستجداء المخل بالكرامة الإنسانية، إلى خطاب البحث عن فرص نبيلة تمكن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من الفعل التنموي الذي يكشف عن كفاءة المعاق وقدراته الخاصة في خدمة نفسه ومجتمعه والعالم من حوله، فالتنقل بالنسبة إليه في هذه الحالة هو رغبة في الحركة الإنتاجية التي تخرجه من منطقة الظل والنزوع الاستهلاكي الذي يكرس مختلف مظاهر السلبية والعجز والعيش عالة على الآخر، إلى منطقة التشكل الايجابي؛ منطقة العمل والإبداع والإسهام في حركية المجتمع واستثمار تعداده البشري، وبمعنى آخر فالتنقل هنا يعني التخلص من مرارة الانفعال إلى متعة الفعل والتفاعل، والانخراط في دواليب الحركة الإنتاجية التي تمنح المجتمع قيمة مضافة تدفع بنموه وتقدمه في الاتجاه الصحيح، وتمد قواه العاملة بسواعد وعقليات يشرفها الانتماء لوطن يعتز بموارده البشرية من غير تصنيف أو تمييز، ويثق في قدرات هذه الموارد على البذل والعطاء، وعلى امتلاك الحس التنافسي الذي يحرر شريحة مهمة من أفراد المجتمع من الشعور بعدم المسؤولية إزاء بلدهم الطامح إلى مسايرة الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا.
    التنقل هنا لا يعني التنقل الروحي الذي يعتمد الخيال والتأمل أداة للترحال الوجداني مع بقاء الجسد قابعا حيث هو، وإنما يعني التنقل الجسدي المادي المنتج لتغيير الأمكنة وتجديدها وتنويعها، والذي ينجم عنه بالضرورة تغيير في الأمزجة وتجديدها لرؤية الحياة بشكل يسعف المعاق على ترحل روحي بكيفية حقيقية وغير مزيفة، لأن حركة وجدانية ناجمة عن أجسام متنقلة خير بكثير من حركة وجدانية نابعة من أجسام ثابتة لا تفتأ تكرر نفسها روتينيا وباستمرار.
   التنقل هنا لا يعني التنقل بالصحبة التي تكرس الشعور بالخوف والاعتماد على الآخر، وتعمق طابع الوصاية والإحساس بالعجز عن مواجهة الحياة وجها لوجه، وإنما يعني توفير شروط الاتصال والتواصل، وتطويع وسائل المواصلات المادية والتقنية ليمتلك الشخص المعاق حقه في اختيار السلوك الفردي، والمبادرة في اتخاذ الوجهة التي يرتضيها بمحض إرادته الحرة بشجاعة وجرأة، وبطريقة تضمن حقه في ممارسة الحرية التي يتمتع بها كل جسم يترحل وينوع جغرافيته المكانية من غير حدود أو معيقات خارج حدود القانون ومقتضياته التي يذعن لها جميع الناس على قدم المساراة، فلا مسؤولية مع الحجر والوصاية، ولا مساءلة مع صحبة قيادية متسلطة تجرد المعاق من حقه في اختيار المكان والزمن التي يتواجد فيه هنا أو هناك، فصحبة التنقل في مدلوها الحقوقي المعاصر تسعى على تكريس الفعل التشاركي في الانتشار، واكتشاف الحياة بمختلف مظاهرهاـ السلبية والايجابيةـ بإمكانيات ذاتية لا تتخذ من الآخر مرجعية وقائية، كما لا تجعله متكئا تستند إليه في كل الأحوال بالرغم من أنفه.   
   وبالتالي فالتنقل هنا خطاب مضاد للكسل والتواكل، لأنه بطبيعته حالة مجافية للخمول الذي يناقض طباع البشر في الضرب على الأرض طلبا للرزق الذي كفله الله لكل جسم يدب على ظهر البسيطة، إنه الحق في الهروب من وطأة العزلة والانطواء والموت المقنع في صورة الحياة، التنقل هنا يعني الرغبة في التخلص من الاختناق، ومن شبح اليأس وظلمة البيت الذي يصبح قاعة انتظار لمجيء ظلمة القبر، والذي ـ ربما ـ قد يكون خيرا من ظلمة حياة ظالمة آثمة صنعناها نحن الأحياء، إذ يمكننا أن نتساءل دائما عما هو الذنب الذي اقترفه معاق لم يختر إعاقته، حتى نحكم عليه بالحصار في رقعة ضيقة أشبه ما تكون بزنزانة يقذف في غياهبها سفاح خطير، يحدث تنقله وبالا على الأمن والاستقرار.
    من هنا يصبح حق المعاق في التنقل إشكالية بأبعاد مختلفة، يتداخل فيها السيكولوجي بالسوسيولوجي بالقانوني وبالاقتصادي، وبمجموع تجليات التنمية البشرية التي يتبناها المغرب كاستراتيجيه لاستثمار الرصيد اللامادي في الإنسان المغربي المعاصر، وتطرح هذه الإشكالية على وجه التحديد حق الإنسان المعاق في تنويع تواجده الجغرافي طلبا للعلم أو الرزق أو الاستجمام أو البحث عن حياة متحررة من قيود العزلة والانطواء؛ حياة يتفاعل هذا الكائن البشري الحامل لصورة أخرى عن الواقع المعيش، هي بالتأكيد صورة مجدية لمجتمع منفتح على أفراده، مؤمن بحقهم في الحضور والانخراط في القيم التشاركية داخل وخارج وطنه، الشيء الذي يعني أن حقوق المعاق في التنقل ببلدنا معناها تحريره وإطلاق سراحه بكيفية واعية ومسئولة كرقم بشري نحصيه ضمن سكان بلدنا ونكون كاذبين حين نحصيه، لأنه في الواقع وحتى الآن مغيب عن السديم البشري محاصر في قوائم الموتى الأحياء، يضر بلدنا ولا ينفعه، ويعمق تخلفنا وسفاهة تدبيرنا لمواردنا البشرية، بالطبع إذا استثنينا نسبة ضئيلة ومشرفة من المعاقين العصاميين الذين اقتحموا عالم الأصحاء بعقلية الأصحاء بالرغم من إعاقتهم واحتياجاتهم الخاصة.
     من هنا نساءل عن مظاهر حق الشخص المغربي المعاق في التنقل ببلدنا؟ وكيف يتم تنزيل هذا الحق من عالم التصورات القانونية إلى عالم الواقع المعيش؟ وبالتالي، ما هي أبرز الملاحظات التي يمكن رصدها من طرفنا ـ نحن المعاقون ـ الذين فرض علينا التنقل ضمن شروط بنيوية في بيئات حضرية وقروية ما تزال في حاجة إلى المزيد من التصحيح والمراجعة؟ وغير مهيأة حاليا لاستقبال أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة؟
رابط القناة

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية