مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مقاربة قانونية بين الجمعيات والتعاونيات

              
مقاربة قانونية بين الجمعيات والتعاونيات
عبدالجبار بهم





مقدمة

        تعرف التنظيمات المجتمعية نشاطا متزايدا ومثيرا للاهتمام، ليس فقط من حيث تراكمها الكمي وتنوع انشغالاتها السياسية والفكرية، ولكن أيضا من حيث حركيتها وامتداداتها السوسيوثقافية بأبعاد تنموية، العامل الذي جعل منها محورا لا غنى عنه في استراتيجية التنمية البشرية. وبذلك أضحت هذه التنظيمات بمختلف ألوانها وأطيافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مصدر إلهام للمشرع في رسم السياسة العامة للدولة في علاقتها بجمعيات المجمتع المدني إقرارا منه بالأدوار الطلائعية التي تنهض بها في تعبئة وعي الجمهور وتشكيل مخياله، بل وفي التعبير عن ضميره بكل ما يحمله من طموح وآمال.
         بيد أن تنوع واختلاف الأهداف الباعثة على تأسيس هذه التنظيمات جعل المشرع يتدخل لسن الإطارات القانونية الناظمة لها وبيان مساطر إنشائها وطريقة عملها- كلا على حدة- بعد أن كانت تخضع جميعها لمقتضيات ظهير 1958 المتعلق بتنظيم الحريات العامة، الذي كانت تنشط في ظله مختلف جمعيات المجتمع السياسي والمدني. وتبلور هذا التدخل في إصدار مجموعة من الظهائر والقوانين، يهمنا منهاالظهير رقم 1.02.206 الصادر في 12 من جمادى الأولى موافق 23 يوليو 2002 بشأن تعديل قانون الجمعيات، والقانون رقم 83-24 المتعلق بتحديد النظام الأساسي العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 226-83-1 المؤرخ ب 9 محرم 1405 موافق5 أكتوبر 1984، من أجل وضع مقاربة بين القانون المنظم للجمعيات والقانون المنظم للتعاونيات بهدف لإثارة جانب من إشكاليات العمل الجمعوي المرتبطة أساسا بظاهرةالتدافع على تأسيس الجمعيات والتعاونيات لتحقيق أهداف غايتها تلبية وازع المصلحة الضيقة وتغذية الهاجس المادي على حساب الرسالة النبيلة التي تنهض بهاالجمعيات والتعاونيات.

مفهوم الجمعية والتعاونية

    الفصل الأول من قانون الجمعيات يعرف الجمعية بأنها "اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم"، والفصل الأول من قانون التعاونيات يعرف التعاونية بأنها "جماعة تتألف من أشخاص طبيعيين اتفقوا أن ينضم بعضهم إلى بعض لإنشاء مشروع يكون الغرض منه أن يتيح لهم وحدهم الحصول على المنتجات والخدمات التي هم في حاجة إليها، والقيام بتسييره وإدارته وفق المبادئ الأساسية المحددة في الفصل الثاني بعده، بغية بلوغ الأهداف المنصوص عليها في الفصل الثالث من هذا القانون".وينص الفصل الرابع من نفس القانون على ما يلي: "التعاونيات أشخاص معنوية تتمتع بأهلية قانونية كاملة وبالاستقلال المالي
   فالقرآءة الأولية لهذه النصوص تبرز أن الاتفاق الجماعي شرط وجودي مشترك بين نشأة الجمعية والتعاونية لا يلزمه النص فحسب، بل يلزمه كذلك مصطلح(التعاون) الواد في القانونين معا، ولا يتصورأن يتعاقد شخص ذاتي أو معنوي مع نفسه. ثم إن الجهد الجماعي في خدمة التنظيم وتوسيع آفاقه مشترك بين التنظيمين كذلك، علاوة على عنصر الإشتراك في توفر الإرادة الحرة لوضع القدرات والمهارات الفردية رهن إشارة المجموعة، ويبقى أهم معيار التمييز بين كلا التنظيمين متوقفا على الأهداف المتوخاة منهما كما سنرى.
  
                إجراءات ومسطرة التأسيس

      ينص الفصل الخامس من قانون الجمعيات الذي غير بمقتضى الظهير رقم 1.73.283 الصادر في 6 ربيع الأول 1393 موافق 10 أبريل 1973 وبمقتضى الظهير رقم 1.02.206 الصادر في 12 من جمادى الأولى 23 يوليو 2002 على ما يلي: "يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء".
   وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة اللاحقة يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 60 يوما وفي "حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها".
    ويتضمن التصريح ما يلي:
- اسم الجمعية وأهدافها.
- لائحة بالأسماء الشخصية والعائلية وجنسية وسن وتاريخ ومكان الازدياد ومهنة ومحل سكنى أعضاء المكتب المسير.
- الصفة التي يمثلون بها الجمعية.
- صور من بطائقهم الوطنية أو بطائق الإقامة بالنسبة للأجانب ونسخا من بطائق السجل العدلي.
- مقر الجمعية.
- عدد ومقار ما أحدثته الجمعية من فروع ومؤسسات تابعة لها أو منفصلة عنها تعمل تحت إدارتها أو تربطها بها علائق مستمرة وترمي إلى القيام بعمل مشترك.
  ويضاف إلى التصريح المشار إليه في الفقرة الأولى من هذا الفصل،القانون الأساسي ومحضر الجمع العام اللذين يقدمان في أصول ونظائرإلى مقر السلطة الإدارية المحلية التي توجه واحدة منها إلى الأمانة العامة للحكومة.
    ويمضي صاحب الطلب تصريحه والوثائق المضافة إليه ويشهد بصحتها، وتفرض على كل من القوانين الأساسية ولائحة الأعضاء المكلفين بإدارة الجمعية أو تسييرها حقوق التنبر المؤداة بالنسبة للحجم، باستثناء نظيرين.
   على أن كل تغيير يطرأ على التسيير أو الإدارة أو كل تعديل يدخل على القوانين الأساسية أو يتعلق بإحداث مؤسسات فرعية أو تابعة أو منفصلة، يجب أن يصرح به خلال الشهر الموالي وضمن نفس الشروط، ولا يمكن أن يحتج على الغير بهذه التغييرات والتعديلات إلا ابتداء من اليوم الذي يقع فيه التصريح بها.
   وفي حالة ما إذا لم يطرأ أي تغيير في أعضاء الإدارة يجب على المعنيين بالأمر أن يصرحوا بعدم وقوعه في التاريخ المقرر له بموجب القوانين الأساسية.
    ويسلم وصل مختوم ومؤرخ في الحال عن كل تصريح بالتغيير أو بعدمه.
    من جهة أخرى نجد الباب الثاني  المتعلق بشكليات تأسيس التعاونية وإجراءات الحصول على ترخيص مزاولة نشاطها ينص في فصله السابع على ما يلي:" يجب أن يصرح بنية تأسيس التعاونية في عقد عرفي يوقعه ما لا يقل عن سبعة أشخاص متمتعين بحقوقهم المدنية، ويوجه هذا التصريح إلى الإدارة وإلى مكتب تنمية التعاون وفقا للشروط المحددة بموجب نصوص تنظيمية".
   وينص الفصل الخامس من قانون التعاونيات على أنه يجب أن يبين في التصريح بالتأسيس غرض التعاونية المراد إنشاؤها ودائرة اختصاصها وعنوانها. ويحرر في ثلاث نسخ توجه إلى مدير مكتب تنمية التعاون.
    وخلال الثلاثين يوما (30) التالية لتسلم التصريح المذكور يقوم مدير مكتب تنمية التعاون بتبليغه إلى عامل الإقليم أو العمالة المعنية وإلى السلطة الحكومية المسؤولة عن قطاع نشاط التعاونية، وعلى كل من الهيئتين المذكورتين موافاته برأيها في التأسيس المراد تحقيقه.
    ويقوم مكتب تنمية التعاون داخل الأجل نفسه مع الأعضاء المؤسسين بالنظر في النظام الأساسي قصد التأكد من مطابقته لأحكام القانون رقم 83-24 المشار إليه أعلاه والنصوص المتخذة لتطبيقه على أن يراعوا في ذلك، إن اقتضى الحال، أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة المطبقة على نظام التعاونية المراد إنشاؤها.
   وتتولى السلطة الحكومية التي يهمها قطاع نشاط التعاونية من جهتها إجراء دراسة حول مشروع التأسيس وتبليغها إلى مكتب تنمية التعاونية.
   وهكذا يلاحظ تشابه إجراءات تأسيس الجمعية والتعاونية، ولا تختلف هاته الإجراءات إلا في بعض الجوانب الفنية، فالشروع في تأسيس الجمعية والتعاونية يلزم لجنتهما التحضيرية بطلب الإذن من السلطة المحلية في انعقاد الجمع العام التأسيسي مع التركيز على التماس حضور ممثلها لتغطية أشغاله، وكل منهما (الجمعية والتعاونية) يعبر عن نية تأسيسها بتقديم التصريح والعقد العرفي( القانزن الأساسي )إلى السلطة المحلية زيادةعلى تقديمهإلى مكتب تنمية التعاون بالنسبة للتعاونية،وتجدر الإشارة إلى أن الفصل السابع من قانون التعاونيات قد أحال في التعريف بهذا المكتب وبمهامه وموارده على الظهير الشريف رقم 654-73-1 الصادر بتاريخ 23 أبريل 1975 بمثابة قانون حسبما ما تمم والذي ورد فيه ما يلي:
   "الفصل 2- يناط بمكتب تنمية التعاون، ما عدا فيما يتعلق بتعاونيات الإصلاح الزراعي :
- جمع ودراسة الطلبات المتعلقة بتأسيس التعاونيات واتحاداتها وتوجيهها مشفوعة برأيه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالتخطيط للبت فيها ؛
  - مد يد العون للتعاونيات واتحاداتها في ميادين التكوين والإعلام والمساعدة القانونية ؛
 - تمويل حملات نشر مبادئ التعاون وتكوين المتعاونين ؛
 - المساعدة على إنجاز مشاريع اجتماعية لفائدة المتعاونين...إلخ"، أما بالنسبة للجمعية فيكتفى بعد حصول أعضائها على الترخيص بتوجيه ملفها القانوني إلى وزارة الشباب قصد الاستفادة من برامجها ودعمها المادي واللوجستي.
   ويبقى من أبرز أوجه الاختلاف بين الجمعية والتعاونية خلال مرحلة التأسيس أن الحد الأدنى لعدد أعضاء المكتب المسير في الجمعية غير محدد شريطة أن يفوق الشخص الواحد، مع ضرورة اعتبار العدد فرديا كآلية فنية في عملية التصويت، على عكس التعاونية التي يوجب النص أن يفوق عدد أعضائها على الأقل سبعة أشخاص طبيعيين، من جهة أخرى يوظف قانون الجمعيات كلمة شخص على إطلاقها لتشمل إمكانية تأسيس الجمعية من طرف أشخاص طبيعيين أو أشخاص اعتباريين، بخلاف قانون التعاونيات الذي قيد هذه الكلمة بعبارة( طبيعيين ) لتبقى مكنة التصريح بتأسيس تعاونية غير متاحة للأشخاص الاعتباريين وإن استدرك المشرع بعد ذلك في الفقرةالثانية من الفصل الأول من نفس القانون، وسمح للأشخاص المعنويين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونيةالمقررة أن يصبحوا أعضاء في تعاونية، وهو ما نص عليه أيضا فصله الثاني الذي أكد على أنه "يمكن لأي كان، دون تمييز، أن ينضم إلى تعاونية بشرط أن تتوفر في شخصه الشروط الجوهرية التي يقررها مؤسسو التعاونية مراعاة لنشاطها".  
   ثم إن دائرة الاختصاص بالنسبة للجمعية مفتوحة، إذ بصرف النظر عن التصريح بمكان تواجد مقرها الاجتماعي كمحل للتواصل والتخابر معها، يبقى من حقها أن تمارس إشعاعها في مجموع التراب الوطني وحتى خارجه، بخلاف التعاونية التي يلزم انحصار نشاطها داخل مجال دائرة الاختصاص المصرح به في قانونها الأساسي، والذي لا يتجاوز غالبا الدائرة الترابية التي ينتمي إليها مقرها الاجتماعي.

الأهداف- الانخراط- الانسحاب


     إذا كان تأسيس الجمعية والتعاونية يهدف إلى تنظيم مجموعة من الأفراد يجمعهم هم مشترك تحت سقف كيان قانوني واحد يعبر عن آرآئهم ويلبي حاجاتهم النفسية والفكرية وفق استراتيجية داخلية تؤطرها النصوص التشريعية، فإن عنصر استهداف المكاسب المادية وتحقيق الربح للمنخرطين في كل  من الجمعيات والتعاونيات هو المعيار الحاسم في التمييز بين الأهداف المتوخاة من تأسيسهما والانخراط فيهما، ولعل أبرز شرط ينبغي أن يهيمن على ذهن الساعي إلى تأسيس جمعية أو تعاونية أو الانضمام إليهما، هو استبعاد الربح المادي في العمل الجمعوي ولزوم استحضاره في العمل التعاوني، فالفقرة الثانية من الفصل الأول من قانون الجمعيات تنص كما سبقت الإشارة على أن "الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم"، بينما ينص الفصل الأول من قانون التعاونيات على أنها "جماعة تتألف من أشخاص طبيعيين اتفقوا أن ينضم بعضهم إلى بعض لإنشاء مشروع يكون الغرض منه أن يتيح لهم وحدهم الحصول على المنتجات والخدمات التي هم في حاجة إليها"، مع اعتبار مقتضيات الفصل الثاني المشار إليه آنفا والذي ورد فيه مايلي: "يمكن لأي كان، دون تمييز، أن ينضم إلى تعاونية.... مراعاة لنشاطها"،الذي يفهم منه سعي المشرع إلى توسيع المجال التعاوني ليشمل أكبر عدد من المستفيدين من الأرباح والخدمات طالما كان يجمعهم نشاط مشترك، لأنه باتساع دائرة المشاركين في التعاونية تتسع دائرة المردودية وبالتالي يتقوى الإنتاج المدر للربح، وهذه غاية العمل التعاوني.
   من هنا يتضح أن الجمعية لا تستهدف تحقيق الربح المادي وتنمية  الدخل لمؤسسيها ومنخرطيها بعكس التعاونية التي يحق لها ذلك، بل إن مناط تأسيسها هو تظافر جهود المتعاونين لإنشاء مشروع يتيح لهم وحدهم الحصول على المنتجات والخدمات التي هم في حاجة إليها، مما يعني أن للجمعية والتعاونية رغبة في تحقيق عائد، لكن طبيعة العائد المستهدف من كل منهما مختلفة تماما؛إذ في الوقت الذي يكون العائد المتوخى من الممارسة الجمعوية ذا طبيعة معنوية صرفة يكون العائد المتوخى من الممارسة التعاونية ذا طبيعة مادية صرفة.
   وتجدر الإشارة إلى بعض الحالات التي يتأسس فيها كيان جمعوي يحمل اسم ( جمعية تعاونية )، وذلك حين يتضمن مشروع التأسيس بنودا بسمات الجمعية وخصائصها مضافاإليها بنودا بسمات التعاونية وخصائصها في نفس الآن، فتعمل الجمعية / التعاونية حينئذ على ضمان تطبيق قيم ومبادئ خاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية كنشاط جمعوي؛ لضمان إيجاد محيط صحي ومنتج على أساس الاستفادة من ترقية الوضعية المادية في شروط عمل انسانية، وهكذا تسعى الجمعية/التعاونية إلى تطوير نماذج اجتماعية تضمن احترام كرامة الإنسان والمساواة وتدعيم أواصر الأخوة وتوفير فرص التعبير عن الآراء والأفكار من غير تجاهل للأوضاع المادية التي ينبغي أن يعود الانتفاع بها للجميع ووفق التناسبات التي يقرر القانون المؤسس.
   وفي شأن الانسحاب ينص الفصل الرابع من قانون الجمعيات على أنه "يسوغ لكل عضو في جمعية لم تؤسس لمدة معينة أن ينسحب منها في كل وقت وإن بعد أدائه ما حل أجله من واجبات انخراطه وواجبات السنة الجارية وذلك بصرف النظر عن كل شرط ينافى ما ذكر." بينما ينص قانون التعاونيات في الفصل الثاني على ما يلي:" ويجوز لكل متعاون أن ينسحب من التعاونية على ألا يلحق ضررا بسيرها بسبب انسحابه في وقت غير ملائم"، فحساسية الانسحاب من التعاونية أقوى منها في الجمعية، لأن حضور المتعاون في المنظمات التعاونية عنصر مؤثر على مستوى الإنتاجية والمردودية المادية، وقد يترتب عن غياب المتعاون في ظروف غير مناسبة انهيار المشروع برمته، الشيء الذي جعل المشرع يربط ممارسة حق الانسحاب بالظروف الملائمة تجنبا للإضرار بباقي المتعاونين، في حين أن ممارسة حق الانسحاب بالنسبة للجمعوي غير معلقة على أي شرط واقف طالما أن إقدام الفاعل الجمعوي مبني من أساسه على التطوع والبدل والعطاء،   
ملاحظة نقدية

   والملاحظ أن الأهداف المتوخاة من تأسيس الجمعيات والتعاونيات أصبحت معرضة للهدر والتجاوز بالرغم من التنصيص عليها في القوانين الأساسية، وبالرغم من التصريح بها كبنود واضحة لدى السلطات التفيذيةالمكلفة بمنح أذونات الترخيص، وحتى لدى السلطات القضائية المسؤولة عن بمتابعة الأنشطة الجمعوية والتعاونية ومراقبة مدى التزام هذه التنظيمات بطبيق القانون في الجانب المتصل بأهدافها المسطرة؛ وقد لوحظ من خلال مواكبة الأنشطةالجمعوية والتعاونية أن بعضها انحرفت عن أهدافها المرسومة والمتمثلة في استحضار الهاجس التنموي، واتخذت من العمل الجعوي مطية للإثراء اللامشروع، مما أصبح معه الوضع يستدعي التنديد والاستنكار ويستوجب تدخل الجهات المعنية لتقويم هذا الاعوجاج.  
    فعلى مستوى الجمعيات تم رصد ماأصبح يطلق عليه في  دواليب الجماعات الترابية بالجمعيات الورقية، ويقصد بها جمعيات ينحصر نشاطها في الوجود المادي والقانوني دون الوجود الفعلي / التفاعلي القائم على تنفيذ البرامج، والدخول إلى صميم المعارك الفكرية والثقافية والاجتماعية،والدفاع عن القناعات والمواقف والمشاركة في الحراك التنموي الذي يعرفه المجتمع، بكيفية تطوعية تلقائية يغلب عليها طابع البدل والعطاء دون مساومات أو مقايضات. بالعكس من ذلك أصبحت جهود بعض الجمعويين تتجه توا إلى تجميع الهبات والمساعدات المادية التي يتفضل بها المحسنون والمتعاطفون مع العمل الجمعوي، وتركز كيفيةالحصول بالسرعة الممكنة على الدعم المالي والمنحة السنوية التي تقدمها الدولة والجماعات المحلية وبعض الشركات بهدف تحقيق دخل مادي دون فعل ثقافي أو جهد جمعوي اجتماعي وتنموي، وهو سلوك مرفوض حول مفهوم الجمعية إلى مؤسسة ريعية يسعى رئيسها (الذي غالبا ما يكون هو الحامل لفكرة التأسيس أما بقية أعضاء المكتب المسير فهم مجرد كائنات هلامية صورية تكتفي بمنح العضو المؤسس صورة لبطاقتها الوطنية وتنسحب من غير جمح عام ومن غير حضور لممثل السلطة الذي يتسلم بعد ذلك محضرا محررا يوقع عليه وكأنه عاين جمعا عاما حضره جمهور غفير من الناس)،- قلت يسعى رئيسها إلى الربح المادي وتحقيق مكاسب ظرفية قد تصل في بعض الأحيان إلى أدنى مستويات الندالة والميوعة والنرجسية، على حساب الغايات المعلنة من إنشاء الجمعية والمصرح بها في قانونها التأسيسي الذي يشكل تعاقدا اجتماعيا تلتزم به الجمعية اتجاه منخرطيها واتجاه الأغيار واتجاه الدولة، إن ظاهرة السعي إلى الظفر بحظ من ثروة الشعب ومقدراته بوازع الانخراط في اقتسام الغنيمة تحت يافطةالعمل الجزبي والنقابي والجمعوي ظاهرة عدمية وجبانة،أفسدت على التنظيمات المجتمعيةالجادة مشروعها التنموي، وعمقت الهوة بين الوجود المادي لهذه الكيانات الطفيلية التي تزعم الإصلاح السياسي والاجتماعي والتربوي وبين الجماهير التي آثرت العزوف عن كل تنظيم اجتماعي، واعتباره شكلا من أشكال التنظيمات المارقة والمتنكرة لرسالتها النبيلة في الدفاع عن حق الإنسان في الاجتماع والاستماع وتبادل الرأي والاستفادة من التجارب والخبرات وتنمية المواهب والقدرات وترقية الوعي والذوق والشعور بالأمل والجمال، كل ذلك بمنأى عن استبلاد الناس واتخاذهم ذريعة لمنطق الربح والخسارة أو سبيلا للاحتراب على المال والتنافس على السلطة والتدافع على الوجاهة.  
   وعلى مستوى التعاونيات،أبرز تطبيق نظرية التنمية البشرية في المغرب نزوعا إلى استغلال المال العام من قبل فئات تدعي العمل الجمعوي ، فظهرت جمعيات / تعاونية بمشاريع خيالية وبرامج موغلة في الاغراء تعد بتحقيق التنمية المستدامة،  ومن أجل استغلال تبني الدولة لفلسفة التنمية البشريةأقيمت تجمعات ولائمية ومهرجانات فلكورية وسهرات ماجنة وزرود باذخة، للحصول على تراخيص التأسيس الذي يتوج بتحصيل مبالغ مالية تذهب إلى جيوب الانتهازيين عوض الطاقات المعطلة والفئات المعوزة والبطون الجائعة، وكم كان مؤسفا أن نتسامع عن جمعيات / تعاونية نشأت في ظل التنمية البشرية وليس لها من مظاهر التنمية إلا مظهر التواطؤ والاستبلاد.     

خاتمة

     ومع ذلك فإننا نتمسك بالحق والقانون ونسعى إلى فضح الخروقات والتنديد بها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، غايتنا تحصين العمل الجمعوي والتعاوني من اختراق الانتهازيين وضمان ثقة الدولة في النوايا الحسنة للفاعلين الجادين، والرفع من مستوى الدعم المادي لتفعيل برامجهم والرفع من تشجيعهم وتحفيزهم، لأن دعم العمل الجاد في نهاية المطاف هوالسلوك الوحيد القادر على تطويق مظاهر الانتهازية التي تتهدد المشهد الجمعوي ببلادنا.
والله ولي التوفيق
  
مراكش في 01/09/2014






عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية