مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

وسائل الإثبات بين محاضر المفوضين القضائيين وشهادة التسليم

وسائل الإثبات بين
محاضر المفوضين القضائيين وشهادة التسليم
تعلـيق
على قرار[1] المجلس الأعلى عدد 491
الصادر بتاريخ 31 مارس 2011
في الملف التجاري عدد 280/3/2/2010


بداية التعليق ومقدمته
     أحدثت مؤسسة المفوض القضائي بموجب القانون رقم 81.03 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، وبمقتضى المادة 15 من هذا القانون يمكن لهذه المؤسسة القيام بعمليات التبليغ بجميع أنواعها بما في ذلك تبليغ الإنذارات، وإذا كانت المادة 18 من هذا القانون تتيح للمؤسسة مكنة تحرير محاضر لإثبات وقائع تبليغ الإنذارات بصفة عامة، فهل يجوز لها اعتماد هذه المحاضر لإثبات وقائع تبليغ الإنذارات الرمية إلى الإفراغ في إطار الفصل 6 من ظهير 24 ماي 1955؟، وهل بإمكان هذه المحاضر أن تقوم مقام شهادة التسليم عند المنازعة في صحة التوصل بإنذارات الإفراغ؟.
   للجواب عن هذين التساؤلين، يقترح هذا التعليق أرضية للنقاش تنطلق من الوقوف على وقائع وحيثيات القرار عدد 491 الصادر عن المجلس الأعلى( محكمة النقض حاليا ) بتاريخ 31 مارس 2011 في الملف التجاري عدد 280/3/2/2010، وذلك من أجل استبيان الكيفية التي عالج بها المجلس هذه الإشكالية.
المطلب الأول: وقائع القرار وحيثيته ومنطوقه
الفرع الأول: وقائع القرار
    يتضمن القرار موضوع التعليق الوقائع التالية:
الفقرة الأولى: المرحلة الابتدائية
    تقدم المدعي بمقال أمام المحكمة التجارية بالبيضاء عارضا فيه أنه يكري للمدعى عليهما بصفتهما ورثة محلا بمشاهرة قدرها 500 درهم توقفا عن أدائها منذ شتنبر 2006 إلى متم مارس 2007، أنذرهما من أجل أدائها فلم يمارسا مسطرة الصلح مما أصبحا معه محتلين بدون سند، ملتمسا بعد المصادقة على الإنذار الحكم بإفراغهما من المحل هما ومن يقوم مقامهما وأدائهما الكراء المتخلذ بذمتهما لفائدته.
    أجاب المدعى عليهما بنفي توصلهما بأي إنذار، معتبرين أن الإدلاء بنسخة الإنذار ومحضر تبليغه بمقال النازلة لا يقوم دليلا قاطعا على توصلهما شخصيا به، وفي حالة التمسك به سيكونان مضطرين إلى الطعن فيه بالزور.
    فقضت المحكمة التجارية بعدم قبول طلب المصادقة على الإشعار بالإفراغ وأداء المدعى عليهما للمدعي مبلغ 3500 درهم عن واجبات كراء المدة من فاتح شتنبر 2006 لمتم مارس 2007، ومبلغ 3500 درهم واجب ضريبة النظافة عن نفس المدة.
الفقرة الثانية: المرحلة الاستئنافية
    استأنف المدعي هذا الحكم استئنافا أصليا أمام محكمة الاستئناف بالبيضاء، كما استأنفه المدعى عليهما استئنافا فرعيا، وأدخل المستأنف الأصلي في الدعوى طرفا آخر، كما قدم مقالا إضافيا يخص المدة اللاحقة عن المدة المحكوم بها.
    فقضت محكمة الاستئناف التجارية بعدم قبول طلب الإدخال والطلب الإضافي وإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من أداء كراء وضريبة النظافة عن المدة من فاتح شتنبر 2006 لمتم شهر مارس 2007، والحكم من جديد برفض الطلب المتعلق بها وحصر المبلغ المحكوم به في 1650 درهم عن واجب كراء ونظافة المدة من شتنبر 2006 لمتم نونبر من نفس السنة وبتأييده في الباقي، بعلة " أن الإنذار لم تنجز بِشأن تبليغه شهادة التسليم التي لم يدل بها الطاعن رغم إشعاره، وبما أن الشهادة المعتبرة قانونا للقول بصحة تبليغ الإنذار هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية، فإن ما ضمنه المفوض القضائي في محضر تبليغه للإنذار- وخلافا لما تمسك به الطاعن بشأن ذلك عن غير أساس- لا يعتبر مثبتا للتبليغ الذي لا يكون إلا بالشهادة المنصوص عليها قانونا وهي شهادة التسليم..".
الفقرة الثالثة: مرحلة المجلس الأعلى (محكمة النقض)
    طعن المدعي الطالب بالنقض في هذا القرار معيبا عليه خرق الفصلين 418 و 419 من قانون الالتزامات والعقود، وخرق المادتين 15 و 18 من القانون 81.03 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين؛ ذلك أن الأعمال التي يقوم بها المفوض القضائي في إطار ممارسته لمهنته تكتسي صبغة رسمية مما يجعلها قطعية الدلالة عملا بالفصل 419 من قانون الالتزامات والقعود، وبإلقاء نظرة على المحضر المنجز من طرف العون القضائي يتبين أنه تضمن كل البيانات التي حرص المشرع على تضمينها بشهادة التسليم، سواء المتعلقة بالمتسلم أو تاريخ التسليم أو توقيع المتسلم من عدمه، وهو بذلك يكون بمثابة شهادة التسليم، وما اتجه إليه القرار الاستئنافي للقول ببطلان تبليغ الإنذار لعدم الإدلاء بشهادة التسليم يشكل خرقا للمقتضيات المشار إليها أعلاه.
الفرع الثاني: حيثية القرار ومنطوقه
الفقرة الأولى: حيثية القرار
    بعد المناقشة جاء في الوسيلة الأولى من حيثيات ما يلي:" حيث يعيب الطاعن على القرار الاستئنافي خرق الفصلين 418 و 419 من قانون الالتزامات والعقود والمادتين 15 و 18 من القانون  81.03 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين؛ ذلك أن الأعمال التي يقوم بها المفوض القضائي في إطار ممارسته لمهنته تكتسي صبغة رسمية مما يجعلها قطعية الدلالة عملا بالفصل 419 من قانون الالتزامات والعقود، وبإلقاء نظرة على المحضر المنجز من طرف العون القضائي، يتبين أنه تضمن كل البيانات التي حرص المشرع على تضمينها بشهادة التسليم، سواء المتعلقة بالمتسلم أو تاريخ التسليم أو توقيع المتسلم من عدم توقيعه، وهو بهذه المضامين يكون بمثابة شهادة التسليم، وما اتجه إليه القرار للقول ببطلان تبليغ الإنذار لعدم الإدلاء بشهادة التسليم يشكل خرقا للمقتضيات المشار إليها أعلاه.
   حقا، حيث إن المادة 15 من القانون رقم 81.03 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين منحت اختصاص القيام بعمليات التبليغ للمفوض القضائي، وحددت المادة 18 من القانون المذكور الطريقة التي يتبعها المفوض القضائي في التبليغات، وذلك بوجوب إنجازها في ثلاثة أصول يسلم الأول إلى المعني بالأمر ويودع الثاني بملف المحكمة ويحتفظ المفوض القضائي بالثالث بمكتبه، والقرار لما أوجب لصحة عملية التبليغ إنجاز شهادة التسليم باعتبارها هي المعتبرة لصحته، وما دونه المفوض القضائي في محضر تبليغه للإنذار لا يعتبر مثبتا للتبليغ، يعتبر في غير محله لخرقه المقتضيات المشار إليها أعلاه فعرض قضاءه للنقض.
الفقرة الثانية: منطوق القرار
   وبعد الاطلاع على وثائق النازلة وتداول هيئة المجلس بشأن المساطر المنجزة فيها، وللأسباب المومإ إليها في الحيثتية المذكورة أعلاه، قضى المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) بنقض القرار الاستئنافي المطعون فيه.
   وقرار النقض هذا هو موضوع التحليل والتعليق في المطلب التالي.
المطلب الثاني: تحليل القرار
الفرع الأول: مرجعيات القرار ومستنتجاته
     القرار يعالج القضية المطروحة بين يديه بكيفية تركيبية تنطلق من عملية الدمج بين بين أربع مرجعيات قانونية، وتتمثل هذه المرجعيات فيما يلي:
1-   مرجعية قانون الالتزامات والعقود.( ظهير 13 غشت 1912 ).
   2- مرجعية القانون المتعلق بكراء ﺍﻷﻣﻼﻙ ﺃﻭ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺮﻑ.( ظهير 24 ماي 1955 ).
3-  مرجعية قانون المسطرة المدنية.( ظهير 28 شتنبر 1974 ).
4-  مرجعية القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين.( ظهير 14 فبراير 2006 ).
   وبالرغم من تفاوت المسافات الزمنية الفاصلة بين هاته المرجعيات، وتفاوت طبيعتها بين ما هو موضوعي وما هو إجرائي وما هو مهني، إلا أنها تجمعت في هذا القرار لتجيب عن التساؤل التالي: بأي طريقة تثبت واقعة تبليغ الإنذار بالإفراغ المنصوص عليه في الفصل 6 من ظهير 24 ماي 1955؟[2]، هل بطريقة شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من ظهير 28 شتنبر   1974؟[3]، أم بطريقة المحاضر التي يحررها المفوضون القضائيون المنصوص عليها وعلى مشروعيتها في المادتين 15 و 18 من ظهير 14 فبراير 2006[4]، والفصلين 418 و 419  ظهير 13 غشت 1912؟[5].
    وعلى ضوء هذه المرجعيات جنح القرار إلى اعتبار أن القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، طالما أنه قانون خاص يهتم بشؤون المهنة ويسند لها مهام إجرائية تتصل بعمليات التبليغ وتحرير محاضر بشأنها بكيفية ترقى بها إلى مصاف وسائل الإثبات المنصوص عليها قانونا، فإنه لا مانع من اعتماد هذه المحاضر عند الفصل في نزاعات الصحة والبطلان المتصلة بتبليغ الإنذار بالإفراغ، بل لا مانع من اعتمادها ولو في غياب شهادة التسليم التي دأب العمل القضائي على اعتبارها وسيلة أساسية للإثبات في هذا المجال.
الفرع الثاني: المؤاخذات على القرار
     أساس المؤاخذات على القرار موضوع التعليق تنطلق مما يلي:
الفقرة الأولى: تجاهل مقتضيات الفصل 6 من ظهير 24 ماي 1955
    من المؤاخذات التي يثيرها القرار موضوع التعليق تجاهله لمقتضيات الفصل 6 من ظهير 24 ماي 1955 الراسخة فقها وقضاء، والتي تؤكد على أن تبليغ الإنذارات بالإفراغ يخضع لمسطرة خاصة لاعتبارات كثيرة أهمها؛
أولا- الاعتبار التشريعي
   ويتصل بالنص حرفيا على الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية عند الرغبة في تبليغ هذه الإنذارات، ولم يعرف هذا الفصل أي تغيير أو تعديل في ذلك بالرغم من الترسانة التشريعية الهائلة اللاحقة عليه منذ الاستقلال، وقد سبق لمحكمة الاستئناف بالرباط أن اعتبرت أن الإنذار الموجه خارج إطار الظهير والفصل 6 منه، لا يترتب عليه فسخ العلاقة الكرائية ولا الإفراغ لكونه جاء على خلاف ما حدده القانون.
ثانيا- الاعتباري التقعيدي أو القواعدي
    ويتصل بخرق قاعد الإحالة التي يتضمنها الفصل 6 من الظهير المذكور، الذي يحيل على مقتضيات الفصول 55 و 56 و57 من قانون المسطرة المدنية قبل أن تحل محلها الفصول 37 و 38 و 39، بل إن القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين نفسه يحيل إلى هذه الفصول في عملية التبليغ[6]، ومعلوم أن التقعيدات الفقهية الحديثة أطنبت في ضرورة إعمال قاعدة الإحالة احتراما لتقاطع القوانين وتفاعلها.
ثالثا- الاعتبار الاجتماعي
    ويتصل بحساسية الإنذارات بالإفراغ، وما يترتب عليها من مآسي اجتماعية غالبا ما يكون ضحاياها من البسطاء، وهو ما جعل المشرع يتشدد في إجراءات هذه الإنذارات سواء على مستوى دقة المسطرة وتسلسلها، أو على مستوى آجالها وكيفية تنفيذ الإفراغات المترتبة عنها.
الفقرة الثانية: تجاهل العمل القضائي
   من المؤاخذات التي يثيرها القرار موضوع التعليق تجاهله أيضا للعمل القضائي الذي كرسه المجلس الأعلى( محكمة النقض حاليا ) غير ما مرة وفي أكثر من قرار، مكرسا اعتبار شهادة التسليم وغلاف[7] التبليغ وسيلتان أساسيتان في إثبات وقائع التبليغ عند التنازع في صحته، ولا يمكن تعويضها حتى بشهادة رئيس كتابة الضبط على الرغم من الصفة الوظيفية التي يتقمصها كموظف عمومي، والتي تجعله الأقرب والأوثق اتصالا بمؤسسة التبليغ والتنفيذ.
    وفي عجالة يمكن العروج على نماذج من هذه القرارات فيما يلي:
النقطة الأولى: حجية شهادة التسليم
أولا- التعريف بشهادة التسليم
    هي مطبوع نظامي صادر عن وزارة العدل نموذج رقم32017، وهي مطبوع خاص بإثبات واقعة تبليغ الأحكام والقرارات والإنذارات وكل إجراء آخر يراد الاحتجاج بواقعة تبليغه إلى المتسلم أو من يقوم مقامه بصفة قانونية، وهذه الشهادة من الوثائق الأساسية في ملف تبليغ الإنذار، لذلك فمكانها الطبيعي والقانوني هو هذا الملف الذي يجب ضمها إليه بعد إنجاز المبلغ لمهمته مهما كانت نتيجتها إيجابا أو سلبا، وكل تأخر في ذلك يؤثر سلبا على مسطرة تبليغ الإنذار[8].
ثانيا- حجية شهادة التسليم في العمل القضائي
    ومن حيث العمل القضائي تبرز حجية شهادة التسليم  فيما يلي:
1- " إنه من جهة فإن الشهادة المعتبرة قانونا لإثبات التبليغات القضائية عند التنازع هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من فانون المسطرة المدنية، ومن جهة أخرى فإن الطاعنين لم يسلموا بفحوى شهادة كتابة الضبط المستظهر بها من طرف خصومهم، وأعلنوا طعنهم فيها أمام نفس المحكمة المستأنف لديها التي هي ذات الصلاحية للبت في هذا الطعن، وعليه فإنه إذا كان عليها لما طعن لديها في تلك الشهادة أن ترجع إلى ملف التبليغ وتبحث إذا ما كان يتوفر على شهادة التسليم التي هي وحدها المثبتة للتبليغ المدعى به أم لا"[9].
2- " حيث إن الطاعن أثار في مذكرته التوضويحية.. لمقال الاستئناف أنه لم يتوصل بالإنذار، وإن محكمة الاستئناف التي اعتمدت توصل هذا الأخير بواسطة زوجته بالإنذار على مستنتجات الملف التي تحتوي على نسخة إنذار مؤرخ في 17/10/1980، المتضمن شهادة موقعة من رئيس كتابة الضبط تتضمن توصل الطاعن بالإنذار.. ، يكون قرارها المطعون فيه قد خرق الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية الذي يقضي بأن ترفق بالاستدعاء شهادة تبين فيها من سلم له الاستدعاء وفي أي تاريخ ويجب أن توقع هذه الشهادة من الطرف أو الشخص الذي تسلمها في موطنه ومن العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ، مما يعرض هذا القرار إلى النقض"[10].
3- " إن القرار المطعون فيه اعتمد الطابع الذي على نسخة الإنذار المضمن بشهادة رئيس كتابة الضبط بأن التبليغ تم للطالب في إطار الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية بناء على الرفض الحاصل من طرف المعني بالأمر شخصيا.. كما يبدو من شهادة التسليم، وهذه الشهادة لا تحمل سوى توقيع من ينوب عن رئيس كتابة الضبط دون المبلغ والمبلغ إليه، وإنه بإنكار الطالب التبليغ فإنه لا يمكن الارتكاز على شهادة رئيس كتابة الضبط بل لابد من الاعتماد على شهادة التسليم التي يجب أن تكون محتوية على بيانات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية"[11].
4- "حقا فان الشهادة المعتبرة لإثبات التبليغات القضائية هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية وانه لا يمكن الارتكاز على إثبات التبليغ على شهادة رئيس كتابة الضبط.. التبليغ يثبت بشهادة التسليم المشار إليها في الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية ولا تكفي شهادة كاتب الضبط بحصول التبليغ، مجردة عن شهادة القانونية. والمحكمة لما اعتمدت هذه الشهادة دون الرجوع لملف التبليغ للتاكد من وقوعه صحيحا تكون قد خالفت مقتضيات الفصل 39 المذكور وعرضت قرارها للنقض"[12].
5- " الشهادة المعتبرة قانونا لإثبات التبليغات القضائية هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية، والمحكمة عندما أصدرت قرارها بقبول الاستئناف شكلا استنادا إلى شهادة التبليغ مسلمة من طرف رئيس كتابة الضبط تفيد أن التبليغ قد بلغ للمستأنف، دون أن ترجع الى ملف التبليغ وتبحث عما إذا كان يتوفر على شهادة التسليم التي هي وحدها المثبتة للتبليغ المدعى به أم لا، تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية وعرضت بذلك قرارها للنقض والإبطال"[13].
6- " إدلاء الطاعنة بلفيف مستفسر يفيد نفيها تبليغها بالقرار المطعون فيه غير جدير بالاعتبار، مادام يثبت بمقتضى صورة مطابقة لأصل شهادة التسليم أنه تم تبليغها به بواسطة ابنها المسمى هشام"[14].
7- " إن ما يعتمد في إثبات التبليغات القضائية هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية"[15].
النقطة الثانية: حجية غلاف التبليغ
أولا- التعريف بغلاف التبليغ
    هو غلاف نظامي صادر عن وزارة العدل نموذج رقم 60070، وهو مطبوع خاص بتبليغ الأحكام والقرارات والإنذارات وكل إجراء آخر يعطي القانون للمبلغ إليه حق الاحتجاج بتاريخ توصله بالطي، لأن هذا الغلاف هو الوسيلة الوحيدة بيد المبلغ إليه التي تثبت هذا التاريخ بما يتضمنه من بيانات يملؤها لزوما القائم بعملية التبليغ، ولذلك فحيازة هذا الغلاف من حق المبلغ إليه ولا يمكن منازعته في هذه الحيازة، طبقا لما هو مسجل على ظهر الغلاف الذي كتب عليه بالخط البارز:" غلاف يجب على المرسل إليه أن يحتفظ به. إن التاريخ المثبت في الإطار أسفله هو التاريخ المعتبر في حساب الآجال القانونية المتعلقة بطرق الطعن"[16].
ثانيا- حجية غلاف التبليغ في العمل القضائي
       ومن حيث العمل القضائي تبرز حجية غلاف التبليغ فيما يلي:
1- " ما دام أنه تبين للمحكمة من طي التبليغ المضاف للملف أن الحكم المستأنف تم تبليغه للطالب بتاريخ 16/04/2002، بينما لم يقدم استئنافه إلا بتاريخ 09/05/2002 أي خارج الأجل القانوني، فلم تكن في هذه الحالة في حاجة للرجوع إلى شهادة التسليم للتيقن من تاريخ التبليغ متى كان الطالب هو نفسه الذي أدلى بالطي المذكور الذي هو حجة القائل بما فيها، ولم يسبق له أن نفى تاريخ التبليغ المذكور أو نازع فيه، فيكون ما ادعاه في هذا الشأن غير مقبول لإثارته لأول مرة أمام المجلس الأعلى"[17].
2- " عدم الإدلاء بغلاف تبليغ القرار المطعون فيه، وعدم ادعاء التبليغ يحرم المجلس الأعلى من مراقبة أجل تقديم الطعن"[18].
3- "  حيث إنه وإن كان من حق الإدارة أن تتوفر على شهادة التسليم حسب مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية والتي تتضمن من تسلم التبليغ وتاريخه وتوقيع المتسلم، فإن من حق الطرف الآخر أن يتوفر على وثيقة تثبت هذه العملية وتحمل البيانات الضرورية للقيام بعملية الطعن، وهذه الوثيقة هي غلاف التبليغ المنصوص عليه في الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية وتتضمن اسم الطرف وعنوانه وتاريخ التبليغ وتوقيع العون"[19].
الفقرة الثالثة: تعليق على التعليق
    لقائل أن يقول: إن إحداث مؤسسة المفوض القضائي بما أتيح لها من إمكانيات التبليغ المباشر وغير المباشر، جاءت في زمن لاحق على الفصل 6 من ظهير 24 ما 1955، وذلك بعد مسيرة طويلة من التبليغات القضائية اعترتها إخفاقات وإشكاليات متنوعة انعكست سلبا على حقوق المتقاضين، وبالتالي فالمشرع المغربي تبنى هذه المؤسسة الفتية بديلا لتجاوز هذه الإشكاليات وتوسعا في طرق التبليغ الإثبات بإضافة المحاضر التي ينجزها المفوضون القضائيون وفق المادتين 15 و 18 من القانون رقم 81.03 إلى وسائل الإثبات المتعارف عليها، وبالتالي يجب إعمال هذه الطريقة الجديدة حماية للحقوق وتوسعة في الإثبات.  
    وهذا قول على وجاهته مردود للمكنة المتاحة للمشرع ليتدخل في أية لحظة للتعديل والتغيير والملاءمة، وهو أدرى بذلك ويمتلك آليات الاختصاص لإعادة صياغة الفصل 6 من الظهير المذكور ومعالجته بكل  ما استحدث من وسائل التبليغ الأخرى، ولما لم يقدم المشرع على هذه العملية، فإنه أراد الإحجام وعدم الإقدام، وما على القرار موضوع التعليق إلا أن يحترم هذه الإرادة سواء في شكلها الصريح الذي يبلوره الفصل 6، أو في شكلها الضمني الذي يبلوره امتناع المشرع عن التدخل.    نعم إن الاجتهاد القضائي من أهم مصادر التشريع ببلدنا، إن لم يكن هو المجهر الفاضح لثغرات التشريع وفراغاته المتسببة في تضارب هذا الاجتهاد واضطرابا ته، لكن هذا الاجتهاد وفي جميع الأحوال يبقى نتاج سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية، تكرس للعمل القضائي وتتفنن في وسائل الإقناع للأخذ به من طرف جميع السلط لكنها لا تشرعه.
زبدة التعليق وخاتمته
   الخلاصة التي تلف قناعتنا إلى الآن على الأقل، هي حسب رأي أحد أساتذتنا الأفاضل، أن ما ورد في هذا القرار لا ينسجم مع مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون المفوضين القضائيين التي تنص على كون تسليم الاستدعاء يتم ضمن مقتضيات قانون المسطرة المدنية وغيرها من القوانين الخاصة، وبالتالي فإن تنصيص المادة 18 من نفس القانون على إلزام المفوض القضائي بتحرير محاضر التبليغات يعتبر إلزاما إضافيا يجب القيام به إلى جانب الإجراءات الأخرى لشهادة التسليم المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.
    وحينما يتعلق تبليغ الإنذار بطلب المعني بالأمر مباشرة، فإن المفوض القضائي يقوم بذلك عدا الحالة التي ينص فيها القانون على طريقة أخرى للتبليغ، كما هو الشأن بالنسبة لإنذار ظهير 24 ماي 1955 الذي ينص الفصل 6 منه على وجوب احترام مقتضيات الفصول 36 و 37 و 38 من قانون المسطرة المدنية، ومعلوم أن هذه النصوص تستوجب طريقة خاصة تقضي بتوجيه الإنذار داخل غلاف التبليغ.


                                           مراكش في: 29/04/2012
                                    إعداد: عبدالجبار بهم
                                             منتدب قضائي درجة أولى
                                              المحكمة التجارية بمراكش






[1]- القرار منشور بمجلة قضاء محكمة النقض. قرارات الغرفة التجارية.  عدد 74. ص 212 وما يليها.
[2]- ينص الفصل 6 من هذا الظهير على ما يلي:" لا ينتهي العمل بعقود كراء الأماكن الخاضعة لمقتضيات هذا الظهير، إلا إذا وجه للمكتري طلب الإفراغ قبل انقضاء العقدة بستة أشهر على الأقل، وذلك بدون التفات إلى أي شرط تعاقدي محالف لما ذكر، وحيادا عن الفصلين 687 و 689 من ظهير 12 غشت 1913المعتبرة بمثابة قانون الالتزامات والعقود. وعليه فإذا لم يوجه الطلب بالإفراغ المشار إليه في الفقرة السابقة، فإن مدة العقدة تسترسل إلى ما بعد التاريخ المحدد فيها، أما عقدة الكراء التي تكون لها صلة بواقعة يتبع تحقيقها للمكري طلب فسخ العقدة المذكورة، فإن مدتها لا تنقضي إلا إذا وجه المكري للمكتري إعلاما بذلك خلال ستة أشهر على الأقل قبل انتهاء تلك المدة، ويجب أن يتضمن الإعلام عبارة تشير إلى كون الحادثة التي نص في العقد قد وقعت. وإن كان الأمر يتعلق بعقدة ذات مدد عديدة وألغى المكري هذه العقدة وقت انقضاء إحدى المدد، فإن الإعلام بالإفراغ يوجه حتما قبل انتهاء المدة بستة أشهر على الأقل. ومن اللازم توجيه الإعلام بالإفراغ، إما طبق الكيفيات المنصوص عليها في الفصول 55 و 56 و 57 من الظهير المعتبر بمثابة المسطرة المدنية، وإما بواسطة رسالة مضمونة مع الإعلام بتسليمها. وعلى المكري أن يوضح للمكتري الأسباب الداعية إلى الإفراغ وأن ينقل في الإعلام مضمن الفصل 27، وإلا فلا يستطيع المطالبة بسقوط حق المكتري حسبما مانص على ذلك الفصل المذكور.  "
[3]- ينص الفصل 39 من هذا الظهير على ما يلي:" ترفق بالاستدعاء شهادة يبين فيها من سلم له الاستدعاء و في أي تاريخ. و يجب أن توقع هذه الشهادة من الطرف أو من الشخص الذي تسلمها في موطنه. و إذا عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه أشار إلى ذلك العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ ويوقع العـون أو السلطة على هذه الشهادة في جميع الأحوال و يرسلها إلى كتابة ضبط المحكمة. إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخـص فـي موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر".
[4]- تنص المادة 15 من هذا الظهير على ما يلي:" يختص المفوض القضائي بصفته هاته ، مع مراعات الفقرة الرابعة من هذه المادة ، بالقيام بعمليات التبليغ وبإجراءات تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات وكذا كل العقود والمستندات التي لها قوة تنفيذية، مع الرجوع الى القضاء عند وجود أي صعوبة، وذلك باستثناء إجراءات التنفيذ المتعلقة بإفراغ المحلات والبيوعات العقارية وبيع السفن والطائرات والأصول التجارية. يتكلف المفوض القضائي بتسليم استدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنـية وغيرها من القوانين الخاصة . وكذا استدعاءات الحضور المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ويمكن له أن يقوم باستيفاء المبالغ المحكوم بها أو المستحقة بمقتضى سند تنفيذي وان اقتضى الحال البيع بالمزاد العلني للمنقولات المادية يقوم المفوض القضائي بتبليغ الإنذارات بطلب من المعني بالأمر مباشرة ، ما لم ينص القانون على طريقة أخرى للتبليغ. ينتدب المفوض القضائي من لدن القضاء للقيام بمعاينات مادية محضة مجردة من كل رأي ، ويمكن له أيضا القيام بمعاينات من نفس النوع مباشرة بطلب ممن يعنيه الأمر . يمكن للمفوض القضائي ان ينيب عنه تحت مسؤوليته كاتبا محلفا أو أكثر للقيام بعمليات التبليغ فقط وفق أحكام الباب العاشر من هذا القانون ".
  وتنص المادة 18 من نفس الظهير على ما يلي:" يجب على المفوض القضائي إنجاز الإجراءات والتبليغات والمحاضر في ثلاثة أصول ، يسلم الأول إلى الطرف المعني بالأمر معفى من حق التنبر ومن شكلية جبائية ، ويودع الثاني بملف المحكمة ويحتفظ المفوض القضائي بالثالث بمكتبه. يسأل المفوض القضائي شخصيا عن أخطائه المهنية وكذا عن إعداد المستندات والاحتفاظ بها ، ولضمان هذه المسؤولية يتعين عليه ابرام عقد تأمين على ذلك ." 
[5]- ينص الفصل 418 من هذا الظهير على ما يلي:" الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون. وتكون رسمية أيضا:
1- الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم ؛
2- الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية و الأجنبية، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها".
   وينص الفصل 419 من نفس الظهير على ما يلي:" الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي التي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور. إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي، فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور. ويمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة".

[6]- تنص الفقرة 2 من المادة 15 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائي على ما يلي:" يتكلف المفوض القضائي بتسليم استدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنية وغيرها من القوانين الخاصة..".
[7]- تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:" يجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي و العائلي و عنوان سكنى الطرف و تاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون و طابع المحكمة". ويسري النص على الإنذارات وان كان خاصا بالاستدعاءات لتشابههما في الغاية التي هي التبليغ.
[8]-أنظر نموذج شهادة التسليم بكتابات الضبط بالمحاكم.
[9]- قرار عدد 1556 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 25/06/1986. الغرفة المدنية. ملف مدني عدد 475/1997. منشور بمجلة قضاء لمجلس الأعلى عدد 41 نونبر 1988 صفحة 15.
[10]- قرار عدد 1941 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 26/09/1990 ملف عدد 3427/1984 . نشور بمجلة الإشعاع عدد 4 دجنبر 1990 صفحة 132.
[11]- قرار عدد 1833 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 10/07/1991. ملف مدني عدد 4139/1990. منشور بمجلة الإشعاع عدد 6 دجنبر 1991 ص 49.
[12]- قرار عدد 807 الصادر بتاريخ 15/04/1995 الغرفة المدنية .ملف مدني عدد 6837/1990 المجلس الأعلى عدد 48 يناير 1996 ص 204-بنوار ص64
[13]- قرار عدد 301 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 15/01/1997. ملف مدني عدد 1067/19966 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 53 و 54 ص 133. السنة 21. يوليوز 1999.
[14]- قرار عدد 342 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 02/01/2003 . ملف شرعي عدد 339 . منشور بمجلة المعيار عدد 32 ص 213.
[15]- قرار عدد 2901 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 01/11/2005 . ملف مدني عدد 1796/2004.  منشور بمجلة القصر عدد 14 ص 180.
[16]-أنظر نموذج الغلاف بكتابات الضبط بالمحاكم.
[17]- قرار عدد 1391 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 13/11/2002 .ملف عدد 1015/2002 .منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات. عدد 3 ص 108.
[18]- قرار عدد 5143 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 03/09/1997 . ملف مدني عدد 4888/1993. منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 83 ص 142.
[19]- قرار عدد 683/3 صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. الغرففة المدنية الثانية بتاريخ 10/09/1985. ملف عدد 412/85 مجلة المحاكم المغربية عدد 46 نونبر – دجنبر 1986 . ص 85.

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية