مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية بين التأصيل والتفعيل والإلغاء

مؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية

 بين التأصيل والتفعيل والإلغاء


عبدالجبار بهم

     في إطار الخطوات الجريئة التي يمليها إصلاح منظومة العدالة ببلادنا، تم اقتراح تعديل الفقرة 7 من الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية بشأن إمكانية تعيين قيم من قبل القاضي إذا تعذر استدعاء طرف في الدعوى بسبب عدم العثور عليه بموطنه أو بمحل إقامته، حيث تتجه مسودة المشروع الإصلاحي إلى نية الإلغاء الكلي لمسطرة القيم التي ثبت تواضع تجربتها في حل هذه الإشكالية. على أن ما يهمنا في هذه المداخلة ليس الإشادة بالقيمة الحقوقية والإجرائية لمؤسسة القيم التي تناولها البحث بما فيه الكفاية[1]، ولكن يهمنا فقط التأكيد على تجذرها في ثقافتنا التشريعية بشكل أسهم في فك ملابسات تخلف أطراف الدعوى عن حضور الجلسات، الشيء الذي يحملنا على طرح التساؤل التالي: ألا يمكن القول بأن تأصيل مؤسسة القيم وتفعيلها أولى من اقتراح إلغائها بالمرة؟.

        أولا- التعريف بمؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية 

    لم يصغ المشرع المغربي مفهوما محددا لمؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية[2]، وإنما اعتمد منهجية في توصيف مهامها بكيفية تفضي مراجعتها إلى تبين المفهوم وإدراك ملامحه وأبعاده؛ إذ بإمكان المستقرئ الململم لعناصر هذا التوصيف أن يبلور مفهوما محددا للمؤسسة، وخيرا فعل المشرع، فترسيم المفاهيم شأن لا يدخل في دائرة اختصاصه. تتبع هذا التوصيف يفضي إلى القول بأن مؤسسة القيم هي إدارة جماعية لإجراء تعذر على المحكمة إعلام الشخص المعني به بسبب عدم العثور عليه؛ فهي تدبير وتسيير جماعي يمثله فريق متكامل( القاضي / كاتب الضبط / النيابة العامة / السلطة المحلية )، ولا يقتصر على فرد واحد يدعى القيم كما جرت العادة بشكل سيء، وموضوعها هو إجراء معين[3] يصب في مصلحة طرف تعذر تبليغه به نظرا لجهل المحكمة بعنوانه الصحيح، ولا نتصور أن يكون جهل المحكمة بعنوان أحد الأطراف مبررا لإلغاء مسطرة القيم حتى ولو كان السبب في هذا الجهل هو عدم قدرة الطرف الحاضر على الإدلاء بالعنوان الصحيح لخصمه الغائب.  

   فمن أهم المبادئ التي تنهض عليها صحة الدعوى، استدعاء المحكمة للخصوم ليواجه بعضهم بعضا وليكشفوا عما تقوم عليه ادعاءاتهم من حجج ومستندات، والخطوة الأولى لوضع الدعوى في مسارها السليم تبدأ من استدعاء الخصوم إلى المواجهة البينية تحت نظر القضاء، وما لم يحصل هذا الاستدعاء فلا سبيل للحديث عن قيام حالة التقاضي مبدئيا، ولذلك لا يجوز للمحكمة أن تنظر في ادعاء خصم ما، ما لم تستدع من وجه ضده هذا الادعاء ليسمعه ويبدي أوجه دفاعه فيه، وكذلك لا يجوز لها أن تسمع خصما دون مواجهة خصمه أو على الأقل دون دعوته لهذه المواجهة، ولا أن تقبل ورقة أو مذكرة من طرف دون اطلاع الطرف الآخر عليها، وفي جميع الأحوال لا يترتب على إعمال هذا المبدأ استحالة الخصومة بين حاضر وغائب وجه إليه استدعاء صحيح للمثول أمام القضاء[4]، لذلك كانت مؤسسة القيم بديلا إجرائيا وحقوقيا ليس فقط لضمان حق الغائب في عدالة موازية، ولكن أيضا لضمان حق الحاضر في التقاضي ولو كان جاهلا بعنوان خصمه، فكيف نصادر هاذين الحقين بإلغاء مؤسسة القيم لمجرد الجهل بعنوان أحد أطراف الدعوى؟.

ثانيا- أصالة مؤسسة القيم في الثقافة التشريعية المغربية

    القيم في التشريع العربي عامة والمغربي خاصة مصطلح أصيل في الثقافة والتشريع العربيين، وتأويل ذلك حسب اعتقادنا المتواضع يؤول إلى أن استمرار التلاوة القرآنية المتوالية عبر العصور، وما كان يواكبها من رجوع مستمر إلى الأمهات من مصادر التفسير والحديث ومراجع اللغة والتشريع، كل ذلك خلق مجالا تداوليا واسعا للكثير من المفاهيم الإسلامية التي مارست حضورا قويا في الاصطلاحات الفقهية والتشريعية.
   ذلك أنه عندما نحاول الجمع بين مدلولات مصطلح القيم سواء على صعيد المنظومة الفقهية أو على صعيد المنظومة القانونية، نلفي المنظومتين في توظيفهما لهذا المصطلح، التزمتا بالوفاء للمدلول اللغوي كقاعدة مشتركة تقاطعت فيها مختلف الدلالات الاشتقاقية لكلمة القيام؛ فلفظة القيام هاته بما تحدثه في النفس من إيحاءات متعددة، كالوقوف والنهوض والتعهد والعزم والحفاظ والرعاية واللزوم والثبات والانتصاب وغيرها، ما فتئت هي اللفظة المركزية التي تمثل جدعا مرجعيا أصليا ترتد إليه كل المعاني المتفرعة عن كلمة " قام " بحمولات دلالية تبدو من أول وهلة أنها مختلفة بيد أنها عكس ذلك؛ وقد وفق المشرع المغربي في توظيف هذه الإيحاءات بكيفية أعطت لمصطلح القيم مفهوما موسعا جعل مؤسسة القيم  تشمل مجالات تتجاوز مجرد البحث عن الطرف المتغيب في الدعوى، لتغطي مجالات عدة تتصل بالإدارة والتسيير والمالية وتصريف الأعمال ضمن دائرة الإجراءات القضائية، الشيء الذي منح هذه المؤسسة بعدا وظيفيا يبدو أكثر إثراء لها من مجرد التركيز على بعدها الشكلي.
     إن مسألة الترابط اللفظي بين مفهوم القيم كما تداولته المراجع التراثية في أدبيات الفقه الإسلامي، وبين مفهوم الوكيل أو القيم كما صيغ في قانون المسطرة المدنية[5]، لم يأت عبثا أو نتيجة لتصدع الجهاز المفاهيمي في قاموس الاصطلاحات إبان مرحلة التأسيس لقانون المسطرة المدنية الحديث، بل على العكس من ذلك؛ كانت المرحلة تؤرخ لانتقال تشريعي هام في القانون المغربي الذي له صلة وثيقة بالعدالة والقضاء، حيث دونت فيها الكثير من النصوص الموضوعية والمسطرية التي ما يزال جلها ساري المفعول حتى الآن. إلا أن ما يسم تلك المرحلة بشكل خاص، وهو ما يهمنا التنبيه إليه في سياق الدفاع عن مؤسسة هو حضور الثقافة الفقهية الإسلامية التي كان ينعشها التصاق النظرية الفقهية بتفاصيل الواقع وجزئياته، فكان من الطبيعي أن تتبوأ بعض المفاهيم التقليدية مكانة لائقة ضمن مجموعة من القوانين الإجرائية. ولهذا لم يشكل مصطلح القيم ضمن الترسانة القانونية- ومنها قانون المسطرة المدنية- وضعا نشارا بالنظر لحمولته القوية التي تكتسح القواعد الإجرائية والقواعد الموضوعية على حد سواء. العامل الذي يحملنا على الاقتناع بأن امتداد مفهوم القيم كما ورد في إطار الموجهات اللغوية والثقافية، هو نفس الامتداد الذي ظل يرخي بظلاله على مؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية، من أجل إقامة الحجة وتوفير الحق والعدل بالانتصاب الدائم لحماية حقوق الغائبين معنى ( الصغار والمحاجير والبله والمجانين ) أو الغائبين حسا ( منقطعو الأثر والخبر )؛ وظيفة من هذا النوع وبهذا الشكل، تجعل من أسندت إليه صفة  القيم داخل الجهاز الإداري لهذه المؤسسة، ليس مجرد قائم بها أو عليها فقط، وإنما قيما بصيغة المبالغة التي لا تخلو من دلالة الاستقامة والعدل والاعتدال. ومفهوم الاستقامة والعدل والاعتدال في تدبير الأمور ظلت قائمة في تصور المشرع لمؤسسة القيم باعتبار أنها تقيم التوازن بين مدع حاضر ومدعى عليه غائب، بين حاضر حامل لحجته وغائب لا ندري ما حجته. 

    إن أول ما يثير اهتمام الباحث في تأصيل مصطلح القيم عبر استعمالاته المتعددة في التراث الثقافي عامة والقانوني خاصة، هو أن هذا الاصطلاح انتقل من فضاء أدبي وديني إلى فضاء فقهي عملي متصل بتدبير الحياة اليومية للمجتمع والناس، وظلت رغبة الفقهاء قائمة في أن يحافظ المفهوم على مضمونه الأخلاقي المتأسس على التدبير الحكيم والنزاهة والاستقامة في رعاية الحقوق، بيد أن احتكاك التشريعات الإسلامية بالتشريعات الغربية اللاتينية، وما واكب هذا الاحتكاك من تفاعل غير متكافئ بين طرف ضعيف مثلته الدول العربية الإسلامية في عهد الانحطاط، وطرف قوي قادم من الغرب الاستعماري يعد بالحماية والحضارة، ترتب عنه إفراغ المصطلح من مضمونه التعبدي القائم على الاستقامة وحفظ التوازنات والمثل الكونية، والتي منها استقامة السلوك البشري في اتجاه تناغمه مع استقامة الفيزياء الطبيعية والمثالية المنظمة لقوانين الحياة[6]، فتغلل المفاهيم الاستعمارية وما تأسست عليه من نزوع مادية أدى إلى تطويق شمولية المصطلح لتجده أجيالنا الحالية عبارة عن مهمة إجرائية بسيطة وخالية من موجهات الضمير الذي يحول دون العبث بها، وهذا أمر طبيعي فالباحث عن المصدر الذي استمدت منه مسطرة القيم إجراءاتها في قانون المسطرة المدنية، يجد جانبا من الفقه المعاصر يميل إلى القول بأن مقتضياتها إنما "هي ترديد لنفس المقتضيات التي نص عليها ظهير 27/4/1920 الذي أحدث مؤسسة القيم في ظل القانون الإجرائي القديم، والتي تم اقتباس أحكامها من مقتضيات الفصل 69 من القانون الفرنسي للإجراءات"[7]، علما بأن فلسفة التشريع تتطلع باستمرار إلى النظر فيما هو أعمق من مجرد الإجراءات في صيغتها المادية، كما أن الفقيه الحقوقي مدعو إلى إزالة الحواجز بين القانون وبين باقي العلوم الإنسانية لتحصيل المعرفة بالقانون في صورته الكلية[8]. وقد كان من نتائج النظرة الضيقة لمفهوم القيم أن وقع ما يمكن تسميته بالانفصام الاصطلاحي الذي انعكس سلبا على نسق الأفكار القانونية وتناغمها وانسجامها، فأصبح القيم موظف جامد لا يقوم إلا بإجراء شكلي إجوف غالبا ما تختصره عبارة التالية: للمحكمة الموقرة واسع النظر في اتخاذ ما تراه مناسبا، وذلك في غياب الإحساس بالمسؤولية في حماية حقوق الغائب بنوع من الإخلاص والتفاني الموغل في الشعور بالإحسان الذي تفتقر إليه جل الممارسات الإجرائية لمؤسسة القيم في المحاكم المغربية، ولكن هل هذا الوضع المتمثل في انحراف مؤسسة القيم عن مفهومها التشريعي الأصيل وعن وظيفتها الحقوقية والانسانية كاف لتبرير مقترح إلغائها بدلا من تأصيلها وتفعيلها؟. 

ثالثا- مؤسسة القيم ضمانة لفك ملابسات الغياب  

  اعتمدت مؤسسة القيم في التشريع المغربي كآلية لفك ملابسات الغياب الذي يطرأ على خصوم الدعوى أو على أحدهم بشكل يترتب عنه صعوبة انسياب الإجراءات القضائية بسلاسة، لذلك فهي ضمانة افتراضية تستهدف إيصال الحقوق إلى مستحقيها بالكيفية التي يمليها منطق العدالة، وإعمال هذه الآلية قرينة قوية على حسن سير العدالة وعلى حسن نية الخصوم والقضاء نفسه في عدم اقتضاء الحقوق خارج المنطق الذي تفرضه العدالة بين المتقاضين.
    ومن هذا المنطلق ألفينا مؤسسة القيم تستغرق كافة مراحل التقاضي ابتدائيا واستئنافيا وحتى أمام محكمة النقض، مما يعني أن لحظات تدخلها تتوزع على مختلف مراحل التقاضي، بل وتتخللها في كل الأوقات التي تقطعها الدعوى طالما تغيب الأطراف أو أحدهم، سواء عند بداية سريان مسطرة التحقيق أو عند التبليغ أو عند التنفيذ، وعليه فمؤسسة القيم إنما تشتغل من أجل تيسير البت وإنهاء التقاضي، وليس من أجل إعداد الحجج والمستندات، وبالتالي فالذي لا يمتلك الحجة الكافية لولوج التقاضي، ليس من حقه توظيف مؤسسة القيم لإعداد هذه الحجة، وإلا صارت مطية للإجهاز على الحقوق وخرجت عن سياقها واستثنائيتها، لأنها شرعت من أجل تجاوز معوقات الاتصال والتواصل بين المحكمة ومتقاضيها ليس غير، والهدف الذي يمليه سياقها في مراحل المشار إليها هو هدف تبليغي جاء على سبيل الاستثناء، والاستثناء - كما هو معروف - لا يتوسع فيه.     ويتوقف تشغيل مؤسسة القيم على عنصر الغياب الذي يناقض الحضور، والذي يعتبر مشكلة في تحقيق العلم المنتج للتكليف والمسؤولية، وكل إجراء تنص المسطرة المدنية على ضرورة علم الطرف المراد به، ولم تتمكن المحكمة من العثور على هذا الطرف بسبب الجهل بموطنه تعرض للبطلان، ولا سبيل لتجنب الوقوع في هذا البطلان إلا بإعمال مؤسسة القيم، وليس إعمالها بتنصيب موظف من موظفي المحكمة تسميه قيما فحسب، وإنما إعمالها بتجنيد جهاز من العاملين النافذين لمساعدة هذا الموظف في العثور على المراد في التبليغ، بما في ذلك القاضي والنيابة العامة والسلطات الإدارية، كل ذلك من أجل فك ملابسات الغياب حماية لحقوق من سجلت غيبته في الدعوى.

خاتمة  

ختاما يمكن القول أنه طالما كان الوازع المتوخى من مؤسسة القيم هو الإحسان ومراعاة منطق العدالة من أن يتم تدميره والإجهاز عليه، فإن أهم خطوة في علاج واقعها المتردي ليس هو الاجتهاد في إبداع السبل القمينة بتأصيلها وتفعيلها فقط- وإن كان ذلك لا يخلو من أهمية-، وليس في إلغائها بالمرة لما في ذلك من الارتداد والنكوص بترسانتنا الإجرائية التي نعتز بثوابتها، ولكن أهم خطوة في عملية العلاج والإصلاح هو إحياء مدلولها الأخلاقي واعتباره الأساس الذي بنيت عليه شكلياتها كسلوك إجرائي مادي.


مراكش بتاريخ: 16/09/2014





الهوامش :
[1] -أنظر مقالة ذ عبداللطيف مشبال حول مسطرة القيم منشورة بمجلة المحاكم المغربية عدد 17، أنظر كذلك مقالتنا حول مؤسسة القيم المنشورة بمجلة المحامي عدد 37 سنة 2002. ومؤلفنا: مؤسسة القيم وفق قانون المسطرة المدنية تأصيلا وتفعيلا، إصدار 2014.[2] -  تنص الفقرة 7 من الفصل 39 من ق م م على ما يلي:" يعين القاضي في الأحوال التي يكون فيها موطن أو محل إقامة الطرف غير معروف عونا من كتابة الضبط بصفته قيما يبلغ إليه الاستدعاء.
  يبحث هذا القيم عن الطرف بمساعدة النيابة العامة والسلطات الإدارية ويقدم كل المستندات والمعلومات المفيدة للدفاع عنه دون أن يكون الحكم الصادر نتيجة القيام بهذه الإجراءات حضوريا.  إذا عرف فيما بعد موطن أو محل إقامة الطرف الذي كان يجهل موطنه فإن القيم يخبر بذلك القاضي الذي عينه ويخطر الطرف برسالة مضمونة عن حالة المسطرة وتنتهي نيابته عنه بمجرد القيام بذلك".  وينص الفصل 267 من نفس القانون على ما يلي:" إذا كانت الدولة مؤهلة عند انعدام وارث معروف للإرث أخبرت السلطة المحلية لمكان الوفاة وكيل الملك بذلك مع بيان المتروك على وجه التقريب. ويصدر رئيس المحكمة الابتدائية المحال عليه الطلب من طرف وكيل الملك أمرا على طلب يعين فيه كاتب ضبط لإحصاء الأموال والقيم المتروكة ويعينه قيما إن كانت لها أهمية ما لحراستها. ويضع هذا الكاتب الأختام عند الحاجة. ويحرر محضرا بمختلف هذه العمليات.  إذا كانت الأموال تشتمل على عناصر قابلة للتلف استؤذن رئيس المحكمة في بيعها بالكيفيات المقررة لبيع منقولات القاصر. وتوضع الأموال الناتجة عن هذا البيع بعد خصم المصاريف بصندوق الإيداع والتدبير.  يخطر وكيل الملك حينئذ إدارة الأملاك المخزنية".  وينص الفصل 334 من نفس القانون على ما يلي:" يتخذ المستشار المقرر الإجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم ويأمر بتقديم المستندات التي يرى ضرورتها للتحقيق في الدعوى. ويمكن له بناء على طلب الأطراف أو حتى تلقائيا، بعد سماع الأطراف أو استدعائهم للحضور بصفة قانونية، الأمر بأي إجراء للتحقيق من بحث وخبرة وحضور شخصي دون مساس بما يمكن للمحكمة المرفوع إليها الاستئناف أن تأمر به بعد ذلك من إجراءات في جلسة علنية أو في غرفة المشورة.  لا يمكن بأي حال أن تمس الأوامر التي تصدر في هذا الشأن الدعوى الأصلية، وتبلغ بواسطة كتابة الضبط، ولا تكون قابلة للطعن.  يمكن للمستشار المقرر تعيين قيم عند الاقتضاء".  وينص الفصل 441 من نفس القانون على ما يلي:" لا تسري آجال الاستئناف أو النقض في تبليغ الأحكام أو القرارات المبلغة إلى القيم إلا بعد تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار مدة ثلاثين يوما وإشهارها مقابل المصاريف المسبقة من المستفيد من الحكم أو القرار بكل وسائل الإشهار حسب أهمية القضية.  يضفي قيام كاتب الضبط بهذه الإجراءات وشهادته بها على الحكم الصبغة النهائية التي تسمح بتنفيذه".[3]- الإجراء في الاصطلاح القانوني هو كل تصرف تقوم به المحكمة. أنظر:- مجموعة المصطلحات القانونية والقضائية المستخرجة من القوانين العربية والمعتمدة بقرارات من قبل مجلس وزراء العدل العرب تحت إشراف المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية. المصطلحات المعتمدة في قوانين الإجراءات المدنية العربية. (قرار رقم 153/د8) قوانين الإجراءات المدنية العربية[4]- أستاذنا إدريس العلوي العبدلاوي. الوسيط في شرح المسطرة المدنية الجزء الأول. الطبعة الأولى، السنة ( 1418ه- 1998م ). مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء. ص322.[5] - حسب قانون المسطرة المدنية القديم ( قانون 1913 ) كان يطلق على ممثل الغائب في الدعوى مصطلح  الوكيل، ثم استعيض عنه بمصطلح القيم ابتداء من سنة 1974.[6]- فالقيام على المجنون والمعتوه واليتيم والميت والغائب هو فضيلة مثالية قبل أن يكون ممارسة إجرائية.
[7]- عبد اللطيف مشبال، مسطرة القيم في قانون المسطرة المدنية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 70، ص 29.
[8]- أحمد ادريوش. أصول قانون الالتزامات والعقود، بحث في الأصول الفقهية والتاريخية. الطبعة الاولى. سنة 1996. منشورات سلسلة المعرفة القانونية. ص14.
" عرف التنظيم القضائي المغربي عدة تطورات قبل أن يتشكل على الصورة التي هو عليها ونتجت هذه التطورات عما عرفه المغرب من أحداث سياسية ودينية واجتماعية، إذ قبل تفكير القوى الغربية في استغلال ثرواته والتحكم في سياسته، كان الفقه الإسلامي هو المطبق في جميع مجالات وجوانب حياة المغاربة.  لكن منذ بداية القرن العشرين تغير الوضع بالمغرب حيث استطاعت فرنسا أن تظفر بفرض الحماية على هذا البلد الإسلامي الأبي، بعد العديد من المفاوضات كان أهمها الاتفاق الفرنسي- الألماني المبرم في نونبر 1911 الذي نص فصله التاسع في فقرته الثانية على إلغاء مختلف المحاكم القنصلية التي كانت قد أنشئت بمقتضى نظام الامتيازات المفروض لسنوات على الدولة المغربية وعلى الخضوع لنظام قضائي موحد على النموذج الأوربي.  ولا شك أن التنظيم القضائي لم ينج من تأثيرات مختلف هذه التطورات حيث يصطبغ عموما بنوع من الازدواجية وإن لم تكن ظاهرة للعيان بشكل واضح، فنجد قواعد مستلهمة من مبادئ القضاء في الإسلام ونجد أحكاما مستمدة من القوانين الأوربية عامة والقانون الفرنسي خاصة، والذي يؤكد هذا التأثير أن إصلاح التنظيم القضائي يندرج ضمن السياسة العامة للحماية الفرنسية المجسدة في الفصل الأول من معاهدة الحماية المؤرخة في 30 مارس 1912 الذي جاء فيه ما يلي:" إن جلالة السلطان ودولة الجمهورية الفرنساوية قد اتفقتا على تأسيس نظام جديد بالمغرب مشتمل على الإصلاحات الإدارية والعدلية والتعليمية والاقتصادية والمالية والعسكرية، التي ترى الدولة الفرنساوية إدخالها نافعا بالإيالة المغربية، وهذا النظام يكون يحترم جلالة السلطان وشرفه العادي، وكذلك الحالة الدينية وتأسيساتها والشعائر الإسلامية، وخصوصا تأسيسات الأحباس". أنظر:- عبدالكريم الطالب، التنظيم القضائي المغربي ط 2 بتاريخ يونيو 2006، المطبعة والوراقة الوطنية ، نشر وتوزيع مطبوعات المعرفة مراكش، الصفحات 9- 10-11.  

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية