مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

المرجو من زوارنا الأعزاء مشاركتنا الرأي بالنقد والتوجيه لإثراء النقاش من أجل تنمية ثقافتنا القانونية والأدبية والفنية.

من أجل ثقافة إجرائية

     من أجل ثقافة إجرائية
بقلم عبدالجبار بهم

    تطرح الثقافة الإجرائية إشكالا بنيويا في نسيج ثقافة المواطن المغربي من جانبها القانوني؛ ذلك أنه بصرف النظر عن الرصيد القانوني الذي يمكن أن يلم به كل مواطن كجزء من ثقافته العامة، يمكننا أن نتساءل هل ياتراه يمتلك نفس الرصيد في ثقافة القانون الإجرائي كما يمتلكها في ثقافته العامة المنعكسة لا شعوريا على سلوكه اليومي؟.
      إذا كانت الثقافة - حسب تحديد الاصطلاحيين - هي ما تبقى لدى المرء بعد أن نسيان كل ما تتأتى له الاطلاع عليه، فالوضعية الثقافية ببلادنا تعيش على المستوى السلوكي لحظة آخذة في الانعطاف والتحول، ولم يستقر بعد مسار هذا الانعطاف كما لم تنقض بعد مظاهر هذا التحول، لكن غاية ما هنالك أنهما بلغا درجة جعلت ثقافتنا تتسم بالروتين في تنوع مضامينها وتجدد أدواتها، وبذلك أصبحت تعاني وضعا مفارقا ومتناقضا، فهي من جهة متجددة الهندام ومتنوعة المحتوى، وتعتمد أدوات تواصلية أكثر حداثة ومناهج متطورة تساعد على التحصيل السريع بكميات وافرة وبكيفيات تراكمية يسهل على ذاكرة الإنسان تخزينها واستحضارها بسرعة تلائم سرعة تجددها وتحصيلها، وكل ذلك يبعث على الارتياح والاطمئنان إلى أننا نمتلك ثقافة تتناغم مع فلسفة العصر الذي نحياه، لكن هذا الوضع - وهذا هو المؤسف – حول ثقافتنا إلى ثقافة استهلاكية خاضعة لمنطق السوق تنتج وفق الطلب وتتبلور بسرعة لكي تستهلك بسرعة إلى درجة تلاشت معها أصول القواعد ومبادؤها وترسخت بدلها القصاصات والخلاصات، وصارت معها عقائدنا وقيمنا جوفاء لا سبيل لسيطرتها على سلوكنا، وإن سيطرت عليه فبشكل ينتج سلوكا مضطربا متناقضا يحمل على التردد والخجل، وكان من الطبيعي أن يؤثر ذلك سلبا على طبيعة ثقافتنا التي تحولت إلى ثقافة سطحية مختزلة في نبذ[1] وعناوين ورؤوس أقلام لقصاصات أنباء أو أدب أو قانون، لكن ليست أنباء أو أدبا أو قانونا بنفس العمق الذي ألفناه، أو الذي يصح أن يصطلح عليه ثقافة بالمعنى الموجه للسلوك القويم المراكم للقيم النبيلة التي كافحت الأجيال من أجل ترسيخها، وبالتالي فثقافة كهذه ستظل عاجزة عن التغلغل في كيان الإنسان، ناهيك عن الثأثير في سلوكه وتوجيهه وفق منطق تربوي خاص يؤسس للتلازم بين الشكل والمحتوى، كي لا يقال مستقبلا - كما يقال الآن - المغاربة هم الأكثر تدينا لكن الأقل تطبيقا للدين، وحتى لا يقال - كما قيل منذ زمان - واضع القانون خارقه.
     إذن كيف يمكن توسيع دائرة ثقافتنا القانونية الإجرائية بين سائر أفراد المجتمع بكيفية تؤدي إلى صناعة مجتمع ذي سلوك إجرائي؟.
     لنلاحظ قبل الإجابة عن هذا السؤال أن المجتمع المغربي ينقسم حسب علاقته بالقواعد الإجرائية إلى أصناف مختلفة؛
    صنف يمثله أهل الاختصاص الممارسون للعمليات القانون الإجرائي بشكل يكاد يكون يوميا، وهم القضاة وموظفو المحاكم ومختلف مساعدي القضاء من محامين وخبراء ومفوضين قضائيين وتراجمة ونحوهم، يضاف إليهم أساتذة الكليات الذين يدرسون القانون الإجرائي والطلبة الباحثون والمهتمون بموضوعاته وقضياه، وبالنظر لارتباط هؤلاء جميعا بالقانون وبإجراءات التقاضي على وجه الخصوص فهم الأدرى بأصول القواعد الإجرائية وهم الأوسع ثقافة في فروعه وتفاصيله، ومنهم من يكرس حياته اليومية في ممارسة قواعده ودراسة أصوله وإصدار الاستشارات القانونية في أدق جزئياته، بحيث تحولت ثقافته الإجرائية إلى سلوك احترافي يتوقف على مزاولته مورد رزقه واستقراره المهني، وهؤلاء في الواقع هم الرهان من أجل إشاعة ثقافة قانونية إجرائية.  
     وصنف يمثله غير أهل الاختصاص من المواطنين الذين اضطرتهم اكراهات الحياة إلى معايشة القواعد الإجرائية عن كثب، سواء بصفتهم مدعين أو مدعى عليهم أو جناة أو مجني عليهم، واكتسبوا - نتيجة ذلك - معرفة بالإجراءات التي تصب في كيفية استفادتهم من خدمات المحاكم وكيفية استثمارها بصورة ترضي طموحهم وتحمي مصالحهم وتحد من احتمالات تعرضهم للضرر الفادح والعقاب المشدد إن كان لا مفر من الضرر والعقاب، وبعض هؤلاء قد يغلب عليه العود أو يستمرئ التردد على السجون وردهات المحاكم فيتحول بالصدفة إلى خبير إجرائي يتماهى في إصدار التوجيهات والفتاوى الإجرائية، لكن وفي جميع الأحوال لا يمكن أن يمثل هؤلاء رهانا حقيقيا من أجل إشاعة ثقافة قانونية إجرائية.
     ولذلك فالاجابة عن التساؤل السابق تحمل على الاعتقاد بأن البديل الحقيقي لإشاعة ثقافة إجرائية، يكمن في الاهتمام بالتشريع الإجرائي إلى جانب التشريع الموضوعي وضبط القواعد الإجرائية وفق المبادئ والأصول المستوحاة من روح التشريع وفلسفته، مع مواكبة ذلك بنشر القوانين التنظيمية والمذكرات والنشرات على أوسع نطاق لتمكين تلك القواعد من الذيوع والإنتشار.


   وتحيا القواعد الإجرائية على الهامش فلا تمارس كثقافة سلوكية من قبل أهل الإختصاص أو غيرهم إلا اضطرارا مما يحول بينها وبين الحضور التفاعلي الذي تتمتع به بعض القواعد  المتغلغلة في ثنايا السلوك اليومي للمواطن المغربي كقواعد الاستهلاك التي بلغت درجة قصوى في الهيمنة والحضور بفعل السياسة الإعلامية الممنهجة، بحيث صارت تحاصر المواطن من كل حذب وصوب وتطوق اهماماته عبر وسائل الإعلام والاتصال وعبر الصور والرسوم واللوحات الإشهارية، ولو اتخذت نفس السياسة في الترويج للقواعد الإجرائية وإشاعة ثقافتها بنفس الكيفية العملية والتطبيقية التي تصاغ بها الوصلات الإشهارية في المذياع والتلفزيون، وتم الاهتمام بادماج القواعد القانونية الإجرائية ضمن البرامج المسموعة والمرئية وفي دروس التربية على المواطنة في المقررات المدرسية منذ السنوات الأولى للتعليم لكان المواطن المغربي كائنا قانونيا منظما بامتياز فضلا عن أن يكون مجرد كائن مثقف بالثقافة القانونية الاجرائية.  
يتبع.........  






[1]- نبذ ونبذات و نبذات جمع نبذة  وهي الناحية والقطعة من الشيء والنظرة الإجمالية والمقدمات المختصرة بأعلى باب أو فصل من كتاب أو بأعلى مقالة بجريدة أو مجلة لفقرة تمهيدية تبرز النقط الجوهرية الواردة في الموضوع. أنظر قاموس المعاني.

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية