مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

من أجل الإعداد للامتحانات \ القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية

بقلم: عبدالجبار بهم
القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية
    القواعد الأخلاقية هي مجموعة ضوابط تحكم السلوك النفسي والاجتماعي للإنسان وتؤطره في اتجاه تشخيص صورة رمزية للقيم والمثل العليا كما يتمثلها، أما القواعد القانونية فهي مجموعة من ضوابط تحكم السلوك الاجتماعي للإنسان وتؤطره في اتجاه الامتثال لسلطة الدولة وسيادتها. 
   فالقواعد الأخلاقية والقواعد القانونية تتشابهان معا في كونهما تنحدران من النظام المعياري الذي يشتغل على ما ينبغي أن يكون؛ ذلك أن هناك تمثلات مثالية مستلهمة من واقع ديني أو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو ثقافي أو بيئي تسعى القواعد الأخلاقية إلى ترسيخها لتصبح نسقا سلوكيا يحاول المجتمع عقلنته، وهناك ترسيم تشريعي لنمط مماثل من هذا السلوك المجتمعي هو ما تسعى القواعد القانونية إلى إجبار الناس على الامثتال له تحت طائلة العقاب. ومن هنا تبرز قيمة القواعد الأخلاقية من حيث كونها اختزال لمثال مطلق متحرر من سلطة الزمان والمكان وخارج عن محددات التشريع وإملاءاته التي تحاصرالقاعدة القانونية وتجعلها مجرد تعبيرعن اللحظة التاريخية التي أقرتها السلطة الفعلية للمجتمع عبر آليات التقنين والتنظيم، الشيء الذي يسم علاقة القواعد الأخلاقية بالقواعد القانونية بسمة العموم والخصوص على الأقل في صيغة ما هو مطلق وما هو مقيد، ما هو مأمول أو مكرس خارج إملاءت المشرع ولا حق له في تقييمه أو الرقابة عليه طالما لا يمس بطبيعة القواعد القانونية، وما هو مقرر منه وواقع وفق إرادته بالفعل والقوة وإن كان يمس بطبيعة القواعد الأحلاقية، إلا أن وضعا مثل هذا لا يمنع من أن يكون ذلك المأمول أو المكرس في القواعد الأخلاقية مصدرا لإلهام المشرع ومحفزا له على بلورته في صيغة نصوص قانونية لكي تتحول القاعدة الأخلاقية إلى قاعدة قانونية، لكن ما نسعى إليه هو أعمق من مجرد هذه الصيرورة التشريعية التي بالرغم من أهميتها تبقي على حالة من الانحباس والانفصال بين دائرة هذه القواعد وتلك لتظل الروابط بينها فقط روابط انسيابية ذات تأثير أحادي الجانب، بل نتوخى أن تتحول القواعد القانونية إلى قواعد قانونية أخلاقية وتصبح الأخلاق تبعا لذلك ممارسة قانونية إجرائية، أي أن يصبح السلوك الذاتي والموضوعي للأفراد مشبعا بروح القانون وأن تكون الثقافة القانونية عملية أخلاقية تمارس سلطتها على سلوك الفرد بمعزل عن الرقابة والمحاسبة الخارجة عن الذات، شأنها في ذلك شأن القواعد الدينية التي تكرس أخلاقا عملية يوجهها الإحسان ورقابة الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وبذلك يصبح الفرد ملزما من تلقاء نفسه بمعرفة كيفية تنفيذ القاعدة القانونية بنفس الدرجة التي يعرف بها كيفية تنفيذ القاعدة الأخلاقية النابعة من القاعدة الدينية مثلا؛ فطالما أن الفرد ملزم بمعرفة كيفية الاستقامة والعدل في حدود الله ليكون ذا أخلاق مستقيمة وفق قواعد الشريعة، فهو ملزم كذلك بمعرفة كيفية اقتضاء حقوقه وإجراءات حمايتها وأداء واجباته ومسطرة إثبات هذا الأداء ليكون ذا أخلاق مستقيمة وفق قواعد القانون، وطالما يشرفه أن يحصل على شهادة حسن السيرة والسلوك من الجهات الإدارية بفخر واعتزاز، فهو يستطيع أيضا الحصول على نفس الشهادة من المجتمع المحيط به، باعتبار أن الأخلاق العملية وتقويم إجراءات السلوك اليومي للأفراد هو ما تسعى إليه القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية على حد سواء.
    فالقواعد القانونية تشتغل على تحسين السلوك اتجاه الآخرين في أفق تحقيق نموذج مثالي لمجتمع آمن ومستقر تنسجم فيه العلاقات الاجتماعية مع العلاقات الانسانية وتنصهر كلتاهما في بوثقة ما يحمله جميع الأفراد من قناعات وتصورات ومعتقدات، وإذا كانت هذه القواعد لا تمنع المرء من أن يكذب مع أن الكذب خصلة ذميمة، فإنها تجتهد في الحيلولة دون ممارسته بين أفراد المجتمع بالشكل الذي يهز من قيمة المعاملات السليمة ويفقد الثقة بينهم ويبث التوجسس والحذر، فهل يتصور في مجتمع تسوده الأخلاق القانونية أن يكون المرء كذابا بينه وبين نفسه دون أن تنعكس ملامح هذه الخصلة على سلوكه اتجاه المجتمع المحيط به؟، وإذا كنا لا نكترث بأهمية التكامل بين القواعد القانونية والقواعد الأخلاقية ولا ندعو إلى أن تكون الأخلاق العملية والسلوك اليومي للأفراد مشبعين بروح القواعد القانونية، ألا نكرس بذلك لسيادة النفاق المجتمعي وهيمنة مظاهر النصب والغش والاحتيال وكلها سلوكات شاذة تجمع التشريعات المدنية والجنائية المعاصرة على تجريمها؟، إن الاهتمام بسن القواعد القانونية دون الالتفات إلى تكريسها في الأخلاقيات اليومية للأفراد بحيث تصبح سلوكا تلقائيا، إن عدم الاهتمام بذلك يؤدي إلى الازدواجية والانفصام بين تصرفات المرء مع نفسه وتصرفاته مع الناس، بين ما يعتقده صوابا ولا ينهض به لأن القانون يمنعه وبين ما يقتنع أنه باطل ويقوم به لأن القانون يفرضه، وهو وضع كاف ليدفع بالإنسان إلى تفعيل أخلاق بديلة يمكن تسميتها بالأخلاق الذكية، وهي أخلاق ناتجة عن نوع من الذكاء المدمر الذي يشتغل على صناعة التحايل والتلاعب والتهكم على القوانين والشرائع، ويشجع على التنقيب في ثغرات القواعد القانونية بهدف التخلص من المسؤولية على وجه غير مشروع قانونيا وأخلاقيا. 
   من هنا يمكن التساؤل عن خاصية الإلزام في كل من القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية، وإلى أي مدى تستطيع هذه الخاصية أن تنتج ثقافة قانونية إجرائية في حلة أخلاق عملية؟.

 الإلزامية بين القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية 

    القواعد القانونية والقواعد الأخلاية كلاهما قواعد إلزامية، إلا أن القواعد القانونية تكون ملزمة بسلطة الدولة التي تتدخل لفرض تطبيق القانون، وبالتالي فالإخلال بالقاعدة القانونية يقع تحت طائلة العقاب الذي تنهض به جهات مختصة  يسند لها المشرع هذه المهمة، أما القواعد الأخلاقية فإنها وإن كانت تتمتع بهذه الخاصية- خاصية الإلزام - إلا أن العقاب على مخالفتها يكون مختلفا ويصدر بشكل عشوائي؛ فأحيانا ينبع من ضمير الشخص المخل بالقاعدة الأخلاقية ويأتي في صورة ندم وأسف وأرق أو في صورة بكاء وعذاب واكتئاب ينتهي بالجنون أو الانتحار، وأحيانا ينبع من ضمير المجتمع ويأتي في صورة اشمئزاز وتوبيخ جماعي يصل أحيانا إلى درجة قهر الشخص المخالف  وتعنيفه، وتبرز الآثار المادية للعقاب هنا في الاستنكار العلني والمقاطعة والنفي الاضطهاد، وأحيانا ينبع منهما معا فيكون وقعه أشد وآثاره وخيمة.
   فمن الآثار الوخيمة للعقاب الصادر عن المجتمع إحراج السلطة الساهرة على إلزام الناس بتنفيذ قواعد القانونية هي في طبيعتها قواعد منافية لقواعده الأخلاقية، كحالة شخص أجنبي يقيم في بلد تسود مجتمعه قواعد أخلاقية هي بالنسبة إليه ليست كذلك، فيتجاهلها ويتصرف على سجيته ووفق قوانين بلده الذي يبيح له سلوكا شاذا في نظر البلد المضيف، مما يورط سلطة هذا البلد في مأزق التوفيق بين ما تمليه قواعده الأخلاقية وما تمليه قواعد قانون الضيف، ويتعمق الإحراج حين يستنكر المجتمع مثل هذا السلوك ويخرج للإحتجاج الجماعي ضدا عليه وعلى السلطة المتقاعسة عن ردعه بشكل يضعها في شبهة التواطؤ والخذلان، ومثل ذلك حالة المجرم المطارد تحت صياح الجماهير الذي قد تتأخر السلطة المعنية بإلقاء القبض عليه، فيقع في يد الجماهير ليلاقي من الصفع والركل والتعنيف أضعاف ما تفرضه العقوبة المقررة قانونا، الشيء الذي يؤكد أن القواعد الأخلاقية النابعة من صميم القواعد القانونية لا تضمن تنفيذ القانون بكيفية أخلاقية فحسب، بل تضمن أيضا احترام الناس للسلطة الساهرة على تنفيذه، وتجعل الإلتزام بين المحتمع وسلطته السياسية هنا ليس التزاميا اجتماعيا بمفهوم هوبز ولوك وجان جاك روسو، ولكن التزاما أخلاقيا بينهما تترجمه قواعد القانون، وهذا لن يتأتى طالما استمرت القواعد القانونية عاجزة عن بلورة قواعد أخلاقية عملية محاينة للمعيش اليومي للمجتمع ومتغلغلة في سلوكه الإجرائي العام.

    فلا ينبغي أن تبقى إلزامية القواعد الأخلاقية متوقفة على رد الفعل الجماعي؛ ذلك أن المشرع وهو يضع القوانين مطالب بتوخي التناغم مع الأخلاق السائدة في المجتمع من أجل إنتاج قواعد أخلاقية تكون محل توافق بين المجتمع ومؤسساته التشريعية حتى لا تنفلت آلية الإلزام والعقاب من سلطة الدولة إلى سلطة من خارج الدولة، خصوصا وأن سلطة الدولة في نهاية المطاف هي سلطة المجتمع وممثله الشرعي، ذلك أن رد الفعل الجماعي في بعض الأحيان يقع تحت تأٌثير التجييش الممنهج والوخز النفسي والاستنفار غير المبرر من قبل جهلة أو منتفعين أو ذوي نوايا تدميرية، فإذا حصل ذلك أصبح المجتمع جانيا ومجنيا عليه جلادا وضحية في نفس الآن، فالقواعد الأخلاقية النابعة من صميم القواعد القانونية تسير مع القواعد القانونية في اتجاه واحد هو تكريس الواقع المادي للقانون وللمثل والقيم العليا التي بلغها المجتمع في لحظة من لحظاته التاريخية، كل ذلك في صورة إجرائية سلسة تجنب المجتمع معاناة التناقض بين ما ينص عليه القانون وما يتخلق به في حياته اليومية.
   كما أنه بالنظر إلى نسبية القواعد الأخلاقية وحاجتها إلى الرعاية والحماية والتطوير، فإنها حين تكون متأصلة في المجتمع وفي قواعده القانونية تأبى عليه الانصياع وراء صناعة ردود الأفعال الجماعية، وتحول بينه وبين التدخل في اختصاصات سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء، إذ تصبح هذه الصناعة في ذاتها عملية لا أخلاقية يمجها المجتمع بعفوية سواء تفطن إلى بواعثها أم لم يتفطن أدرك غاياتها أم لم يدركها، فالمهم بالنسبة إليه أن رفضها نابع عن حدسه بعدم انتمائها إلى دائرة القواعد الأخلاقية التي يؤمن بها والمتجدرة في قواعد قانونية معبرة عن أحلامه وطموحاته وفلسفته في الحياة ومقررة من قبل مؤسساته التشريعيه ونظمه السياسية.
 إن عجز القواعد القانونية عن تكريس قواعد أخلاقية يجعلها دون مستوى تمثلات المجتمع للقيم والمثل التي ينبغي أن تسوده وتنسجم مع فلسفته في الحياة، خاصة إذا كانت هذه الفلسفة صادرة عن قواعد دينية أتبثت شرعيتها في احتواء حياة الناس وانشغالاتهم الواقعية والغيبية، ذلك أن مدى إلزامية القواعد الأخلاقية وحدودها مسألة عصية على الاحتواء والتصور، ويصعب على المجتمع تقديرها وصياغتها في شكل معين ما لم يعتمد في مرجعيته على قواعد قانونية تستند بدورها إلى شرعية دينية مستمد من أحكام إلهية؛ فتقديم المساعدة في إطار القواعد الأخلاقية عمل اختياري صرف بغض النظر عن حدوده ومداه، ولا يرجى من وراء القيام به مقابل، إلا أنه في إطار القواعد الدينية عمل يحفز عليه رضا الله وجزاؤه الدنيوي والأخري، بينما هو في إطار القواعد القانونية عمل لا دخل للمشرع فيه ولا يتاب عليه لا في الدنيا ولا في الآخرة، ما لم يصل الامتناع عن المساعدة إلى درجة الإضرار بشخص في وضعية الخطر حيث تصبح المساعدة فعل إلزامي يعاقب القانون على عدم القيام به، لكن من الذي يحدد قيمة المساعدة بين الناس ودرجة الخطر التي تفرض القيام بها؟ ومن الذي يضع لها إطارها في دائرة القواعد الأخلاقية ما لم يتدخل المشرع بقواعده القانونية لتوصيف هذه القيمة وبيان مدى إلزاميتها، بل والحث عليها بوسائل وآليات تحفيزية تجعل الفرد ينهض بالمساعدة رغبة لا رهبة؟.
نشأة القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية 
توضع القواعد القانونية بمبادرة من الدولة ممثلة في سلطتها التشريعية، أما القواعد الأخلاقية فإنها تاتي نتيجة سلوك تواضع عليه المجتمع مؤسسا على ضميره الجمعي الذي تغذيه روافد بيئية ودينية وحضارية هي في نهاية المطاف تصورات لما ينبغي أن تكون عليه قيمه ومثله العليا، وقد تكون هذه القواعد ممارسة للقواعد القانون.....
   

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية