الآجــــــال
وفق قانون إحداث المحاكم التجارية
بقلم عبدالجبار بهم
شكل العقد
الأخير من القرن الماضي مرحلة هامة في تاريخ التشريع المغربي حيث تعززت الترسانة
القانونية بمجموعة من القوانين الرامية إلى تليين آلية التقاضي وجعلها منسجمة مع محيطها
الاجتماعي والاقتصادي الذي استحكم في مجرياته الشعور بقيمة الزمن، وفاعليته في حسم المنافسات بين
النشطاء الاقتصاديين، وقد جاء إحداث القانون رقم 53.95 الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.97.65 المؤرخ في 4 شوال 1417 موافق 12 فبراير 1997 بشأن إحداث
المحاكم التجارية لينضاف إلى رصيد الضمانات المخولة لهؤلاء النشطاء في سبيل حماية
مكتسبا تهم، وتاطيرها بمناخ تشريعي يتناسب وطبيعتها المتسمة بالسرعة والرغبة في
امتلاك المبادرة.
لذلك هيمن على هذا القانون هاجس الآجال التي راهن عليها المشرع المغربي
بهدف الإسراع بمعالجة مختلف النزاعات والأزمات التي قد تعترض التنمية الاقتصادية
ببلادنا، فما مفهوم الآجال ؟ وما هي أهميتها القانونية؟ وبالتالي ماهي مميزاتها
ضمن قانون إحداث المحاكم التجارية؟ وكيف عملت الآجال على ضبط المساطر والاجرات
داخل المحاكم التجارية؟ وهل استطاعت الإمكانيات المتاحة أن يساعد الفاعلين
القضائيين على تنفيذ مقاصد الشرع من الإصرار على ضبط الآجال وفق قانون إحداث
المحاكم التجارية؟
للاجابة عن مختلف هذه التساؤلات تتناول هذه الدراسة المحاور التالية: المحور الأول: مفهوم الآجال وأهميتها وأنواعها. المحور الثاني: مميزات الآجال ضمن قانون أحداث المحاكم التجارية. المحور الثالث: دور الآجال في ضبط الإجراءات والمساطر أمام المحاكم التجارية. المحور الرابع: مقاصد التشريع من ضبط الآجال وفق قانون إحداث المحاكم التجارية.
المحور الأول: مفهوم الآجال وأنواعها وأهميتها.
أولا: مفهوم الآجال-
الآجال من الناحية الفقهية هي
الفترة الزمنية المحددة قانونا لممارسة الحق أو المطالبة به ويؤدي انقضاؤها إلى
بطلان تلك الممارسة آو عدم قبول المطالبة بها، أما من الناحية القانونية فالآجال
هي مدد حددها المشرع بنص وأوجب القيام بالإجراء داخلها أو بعد نهايتها ويترتب عن
عدم ممارسة الإجراء داخل الأجل القانوني إلى سقوط الحق كما ينص على ذلك الفصل 511
من ق.م.م. القاضي بأن" تحترم جميع الآجال المحددة بمقتضى هدا القانون
لممارسة أحد الحقوق وإلا سقط الحق "، وهو ما كرسه المجلس الأعلى في القرار
عدد 2806 الصادر بتاريخ 04/12/1985 حين ذهب إلى أن المحكمة لم تكن ملزمة بان توجه
إلي المستأنف أي إنذار والحال أن اجل الاستئناف قد انقضى[1].
ثا ثانيا:أنواع الآجال-
دأب الفقه على تقسيم الآجال انطلاقا مما يلي:
1 -
الآجال من حيث طبيعتها:
تقسم الآجال من حيث طبيعتها إلى آجال كاملة وأجال ناقصة
أ- فالآجال الكاملة: هي الفترة الزمنية التي حددها
المشرع للقيام بإجراء معين بحيث لا يحتسب في تعدادها اليوم الذي يصادف التسلم
ويستمر التعداد حتى يستنفد آخر يوم من الأجل ، فإذا زامن اليوم الأخير يوم عطلة
امتد احتسابه إلى يوم العمل الموالي حتى لا يحرم الممارس للإجراء من استيفاء الأجل
كامل والأصل في الأجل من وجهة نظر المشرع المغربي أنها
كاملة كما يصرح بذلك الفصل 512 من ق.م.م الذي ينص على أن " تكون جميع الآجال
المنصوص عليها في هذا القانون كاملة فلا يحتسب اليوم الذي يتم فيه تسلم الاستدعاء
أو التبليغ أو الاتزار أو أي إجراء آخر للشخص نفسه أو لموطنه ولا اليوم الأخير
الذي ينتهي فيه . وإذا كان اليوم الأخير يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده
"، كما تنص على ذلك أيضا المادة 750 من القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة
الجنائية الصادر بتاريخ 03 اكتوبر2002 التي تنص على أن جميع الآجال المنصوص عليها
في هذا القانون آجال كاملة لا تشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير، وتستثنى من ذلك
الآجال التي تكون محددة بعدد الساعات. وذا كان اليوم الأخير للأجل يوم عطلة امتد
الأجل إلى أول يوم عمل بعده. تعتبر أيام عطل جميع الأيام المصرح أبانها كذلك
بمقتضى نص خاص "
وقد سار المجلس الأعلى في نفس الاتجاه من خلال القرار
عدد 184 الصادر بتاريخ 08/04/1970 حين اعتبر الأجل الكامل " يقدر من يوم
تبليغ الحكم المطعون فيه للشخص او لموطنه، وان اليوم الأول واليوم الأخير لا
يعتبران في الحساب " [2]
والآجال الناقصة :هي الفترة الزمنية التي حددها المشرع وفرض القيام بالإجراءات
داخلها " أي أن تتخذ في آخر يوم منها على الأكثر "[3]، وتشكل الآجال الناقصة حالة استثناء يتولى المشرع بنفسه
تحديد تاريخ نهايتها [4]
2 - الآجال
من حيث آثارها :
أما من حيث الآثار
المترتبة عن الآجال فقد قسمها الفقه إلى آجال السقوط أجال التقادم
ا - آجال السقوط : هي الآجال التي يترتب عن انقضائها بطلان الإجراء، مما
يفرض على الراغب في القيام به المبادرة إلى اتخاذه داخل الفترة الزمنية المحددة
قانونا، " والسبب في ذلك يرجع إلى أن جزاء السقوط يرمي إلى التوصل إلى
استقرار الحقوق والمراكز القانونية عن طريق الحصول على الحماية القضائية "[5]
ويتميزأجل السقوط بما يلي :
أ- أنه أجل مسترسل ولا ينقطع إلا استثناء كما ورد في
الفصل 139 من ق.م.م الذي ينص على انه: " توقف وفاة أحد الأطراف آجال الاستئناف
لصالح ورثته ولا تقع مواصلتها من جديد إلا بعد مرور 15 يوما التالية لتبليغ الحكم
للورثة "، وكذلك الفصل 139 من نفس القانون الذي ينص على انه " إذا وقع
أثناء اجل الاستئناف تغيير في أهلية أحد الأطراف أوقف الأجل ولا يبتدئ سريانه من
جديد إلا بعد 15 يوما من تبليغ الحكم لمن لهم الصفة في تسلم هذا التبليغ "
q ب- أنه غير قابل للتمديد إلا بنص كما يقضي بذلك الفصل
136 من ق.م.م الذي جاء فيه : " تضاعف الآجال ثلاث مرات لمصلحة الأطراف الذين
ليس لهم موطن ولا محل إقامة بالمملكة "
q ج- أنه من النظام العام يثيره القاضي
تلقائيا ولا يمكن للأطراف التنازل عنه، ولهذا يمكن التمسك بعدم مراعاته " في
أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو للمرة الأولى أمام المجلس الأعلى، ولا يمكن للقاضي
أن يعفي المعني بالأمر منه ولو بموافقة الخصم "[6]
-آجال التقادم: هي الفترة الزمنية التي حددها المشرع للمطالبة بالحق،
ويترتب عن فواتها استحالة الحصول عليه،
وقد نص المشرع المغربي على صور التقادم في مجموعة من القوانين من ، من قانون
الالتزامات والعقود الصادر بموجب الظهير رقم 196-60-1 الصادر بتاريخ 1960 المعدل
لظهير11 غشت 1995، الذي أشار إلى انه تتقادم دعوى التعويض عن الضرر من جراء جريمة
أو شبه جريمة بمضي5 سنوات من علم المتضرر وبضي 20 سنة من وقت حدوث الضرر( الفصل
106 )، وكما تنص على ذلك المادة5 من القانون رقم----- الصادر بتاريخ1 غشت 1996 التي ورد فيها
انه" تتقادم الالتزامات الناشئة بمناسبة عمل تجاري بين التجار، او بينهم وبين
غير التجار، بمضي خمس سنوات، مالم توجد مقتضيات مخالفة ".
ويختلف أجل التقادم عن أجل السقوط بالمميزات
التالية:
q
قابليته للقطع كما تنص على ذلك مقتضيات الفصلين381 و382 من ق. ل. ع.
q
قابليته للتمديد كما ينص على ذلك الفصل 375 من ق. ل. ع.
q قابليته للإثارة في مختلف مراحل الدعوى، كما ذهب إلى ذلك
المجلس الأعلى في القرار عدد584 الصادر بتاريخ: 03/06/2003 حين اعتبر" ان
الدفع بالتقادم دفع موضوعي يمكن إثارته في جميع أطوار المسطرة "[7]كونه ليس من
النظام، ولذلك لا يثيره القاضي من تلقاء نفس ويمكن للأطراف التنازل عنه كما نص على
ذلك الفصل375 من ق. ل. ع.
المحور الثاني : مميزات الآجال في قانون إحداث المحاكم
التجارية
انسجاما مع
الأهداف التي توخاها المشرع من وضع القانون رقم53.95 والتي ترمي إلى وضع إحداث
محاكم مختصة لتحفيز الاستثمار وتنشيط دواليب الاقتصاد عن طريق التسريع في مساطر
المعالجة والتقاضي، لذلك جاءت الآجال في هذا القانون مطبوعة بكونها إما آجال مصرح
بها بمقتضى هذا القانون، واما آجال محال عليها في قوانين أخرى، ويمكن الوقوف على
ذلك كما يلي :
أولا: الآجال المصرح بها في قانون إحداث المحاكم التجارية- وقد
وردت
الآجال في8 مواد من هذا القانون، أي بنسبة تقارب ثلث المواد المكونة للقانون نفسه
( وعددها 25 مادة )، اكثر من ذلك يلاحظ أن عدد الفقرات الناظمة للآجال يصل الى14
فقرة وذلك بمعدل يتجاوز نصف مواد القانون، وقد صيغت هذه الآجال بصيغتين؛ صيغة
رقمية وصيغة بلاغية .
أ- أ- الآجال الواردة بصيغة رقمية: وتتراوح
مابين8 أيام و90 يوما نقف عليها من خلال المواد التالية :
-المادة 8 من القسم الثالث المتعلق بالاختصاص وتقضي بما يلي :
· إلزام المحكمة بالبت بحكم مستقل في الاختصاص النوعي داخل اجل8
أيام، وقد سكت النص عن تاريخ الشروع في احتساب اجل8 أيام، وان كان المنطق يسلم بان
الشروع في الاحتساب يبدأ من تاريخ إثارة الدفع.
· إمكانية استئناف الحكم المتعلق بالاختصاص خلال10 أيام من
تاريخ التبليغ.· تبت محكمة الاستئناف في الملف داخل 10 أيام من تاريخ توصلها بالملف
·
بعد البت توجه محكمة الاستئناف الملف إلى المحكمة
المختصة داخل10 أيام من تاريخ صدور القرار
-المواد14 و16
من القسم الرابع المتعلق بالمسطرة أمام المحكمة التجارية وتقضي بما يلي :·
بمجرد تقييد
المقال يعين رئيس المحكمة قاضيا مقررا يحيل إليه الملف خلال 24 ساعة
·
يتعين على القاضي
المقرر في جميع الأحوال أن يحيل القضية من جديد إلى الجلسة داخل اجل لا يتعدى 3
اشهر
-المادة 18 من
القسم الخامس المتعلق بالمسطرة أمام محاكم الاستئناف التجارية وتقضي بما يلي :
· تستأنف الأحكام الصادرة عن المحكمة التجارية داخل اجل 15
يوما من تاريخ تبليغ الحكم
· يتعين
على كتابة الضبط أن ترفع مقال الاستئناف مع مرفقاته إلى كتابة ضبط محكمة الاستئناف
المختصة داخل اجل أقصاه 15 يوما من تاريخ تقديم مقل الاستئناف
-المادة 23 من القسم السابع المتعلق بتنفيذ الأحكام والأوامر وتقضي بما يلي
:· يبلغ عون التنفيذ الطرف المحكوم عليه بالحكم المنفذ
ويعذره بالوفاء أو بالتصريح بنواياه داخل أجل لا يتعدى 10 أيام من تاريخ طلب التنفيذ.
· يتعين على العون
تحرير محضر بالحجز التنفيذي أو ببيان الأسباب الحائلة دون إنجازه داخل أجل 20 يوما
من تاريخ انتهاء أجل اللاعذار.
-المادة 25 من القسم الثامن المتعلق
بأحكام متفرقة وانتقالية وتقضي بما يلي :·
تدخل أحكام القانون المحدث للمحاكم
التجارية حيز التنفيذ ابتداء من اليوم الأول من الشهر السادس الموالي لتاريخ نشر
المرسوم المتعلق بتحديد عدد هذه المحاكم
وبمقارها بالجهات ودوائر اختصاصها.
ب – الآجال الواردة بصيغة بلاغية :
وهي صيغة وان كانت تتسم بالطابع الأدبي إلا أنها تنم عن رغبة المشرع في جعلها
آجالا قصيرا قد لا يتعدى اليومين في أطول الأحوال، ويمكن الوقوف على هذه الآجال
انطلاقا من المواد التالية :
-المادة 8 من القسم الثالث المتعلق
بالاختصاص وتقضي بأنه عند استئناف الحكم المتعلق بالاختصاص يتعين على كتابة الضبط
توجيه الملف إلى محكمة الاستئناف في اليوم الموالي لتقديم مقال الاستئناف .-المادة
14 و 17 من القسم الرابع المتعلق بالمسطرة أمام المحاكم التجارية وتقضي هاتان
المادتان بما يلي :·
يعين رئيس المحكمة حالا بمجرد تقييد
المقال قاضيا مقررا يحيل إليه الملف .
·
يستدعي القاضي المقرر الأطراف لأقرب جلسة يحدد
تاريخها.
ويلاحظ أن الآجال المصرح بها ضمن ثنايا
قانون إحداث المحاكم التجارية - سواء الواردة بصيغة رقمية أو الواردة بصيغة بلاغية
- تتميز بما يلي :
- -الرفع من سرعة التقاضي والحث على القيام
بالإجراءات بصورة فورية.
- تقصير الأجل إلى أبعد حد ممكن ، حيث
يتوجب القيام بالإجراء حالا أو بمجرد
استنباته، أو في اليوم الموالي أو في أقرب
جلسة، أقصى اجل هو ثلاثون يوما وهو أمد قصير بالنظر إلى ما تتطلبه دراسة القضية
بين يدي القاضي المقرر من أناة وتروي، علاوة على أنه يكون ملزما بالتحقيق في عدد هائل من القضايا .
- تعميم الخطاب الملزم للأخذ بالسرعة سواء في مواجهة المحكمة أو رئيسها أو القاضي المقرر أو كاتب الضبط أو العون القضائي ، وهو تعميم يستهدف إشعار كافة الفاعلين القضائيين بالطبيعة الفورية التي تميز عمل المحاكم التجارية .
ثانيا- الآجال المحال عليها في قانون المسطرة المدنية