مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

المرجو من زوارنا الأعزاء مشاركتنا الرأي بالنقد والتوجيه لإثراء النقاش من أجل تنمية ثقافتنا القانونية والأدبية والفنية.

جنون السلطة | تجربة الربيع العربي...

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين.

جنون السلطة
من وحي الثورات العربية الحديثة

power frenzy | The Arab Spring Experience

 مدخل

    حين قام الإمبراطور السفاح نيرون بإحراق روما منذ أكثر من 2000 سنة ، لم يكن يدرك أنه يستجيب بهذا السلوك الإجرامي لوحشية الزمن البدائي، ويؤسس في نفس الآن لمنطق الدم والنار الذي ظل وما يزال مستحكما في حركية التاريخ، ومسهما في تشكيل بؤر التوتر بين وجهين متناقضين إلى درجة الإبادة؛ وجه الدكتاتورية الغارقة في جنون السلطة ووجه الثورات المزلزلة لهذا الجنون.
   ولست أدري – ونحن في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة - ما إذا كان من حسن حظ الوطن العربي أو من سوء حظه أن يكون مسرحا لفصول مأساوية من تراجيدية جنون السلطة، بعد سنوات طويلة مرت على إحراق روما، وسنوات أطول مرت قبل إحراقها؛ سنوات قطعتها البشرية في بناء صروح شامخة لمنظومات أخلاقية وقانونية وحقوقية، أريد لها أن تكون صمامات منيعة للحرص على حرمة الممارسة الأمينة للسلطة، والتعامل مع رمزيتها كممثل شرعي لصوت المجتمع وروحه، وللحرص أيضا على تسخيرها لخدمة حق الإنسان في الحياة الكريمة، لكن - ومع الأسف- تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تم  تحويل السلطة إلى أداة للتسلط والقمع، إلى عصى غليظة وعريضة تحجب واقعا ملغوما بالسخط والغضب. ما يعيشه الوطن العربي حاليا من مشاهد الجنون في احتكار رؤساء الجمهوريات للسلطة ضدا على إرادة الجماهير، يؤكد بالملموس أن كاليغولا ونيرون موسوليني وهتلر وبوكاسا، وباتيستا، وتشاوشيسكو، وغيرهم من رموز القهر والفساد والعظمة والسادية الخارجة عن حدود العقل البشري، لم ينقرضوا بعد، بالرغم من التضحيات التي بدلتها الشعوب في حروبها ضد الظلم والاستكبار.

ليس للعالم إلا طعم ولون واحد

     السلطة هي الوسيلة الأضمن للوصول إلى الثروة والدعة والشهرة والمجد والنجومية، سواء كان من أسندت إليه راغبا في ذلك أم راغبا عنه، المحصنون أخلاقيا فقط هم الذين لا تأسرهم هذه الجاذبية، وإذا كان للسلطة طعمها وعبيرها فإن لها أيضا هوسها وجنونها، ومتى تغلغل طعمها وعبيرها في شرايين من أسندت إليه، طفح جنونها  وصار مطبقا، وتحول صاحبها إلى كائن متسلط مهووس، فاقد لوعيه وإدراكه تحت تأثير مفعولها؛ ينظر للعالم من حوله نظرة برغماتية متعالية يحكمها الازدراء والصلف والرعونة، بل إنه يسخر ممارسة السلطة في تشكيل العالم من حوله على مزاجه وهواه. فالثورة التونسية / ثورة الياسمين، أبانت عن هشاشة الثورة الاقتصادية التي كان يتباهى بها النظام السياسي التونسي قبل سقوطه، بل كشفت عن زيف المخيلة التي أنتجت تقدما اقتصاديا فريدا في الوطن العربي، تفردت به تونس عن غيرها من بقية الدول العربية. بعد أسبوعين من تصاعد احتجاجات الجماهير عقب إحراق محمد البوعزيزي نفسه، وسقوط عدة قتلى نتيجة لمحاولة قمع هذه الاحتجاجات، يقول رئيس الجمهورية التونسية إن" هذه الأحداث، أعمال قلة من المناوئين الذين يغيظهم نجاح تونس، بل يسيئهم ويحير نفوسهم ما تحقق لها من تقدم ونماء، تشهد به كل المؤسسات والهيئات الدولية والأممية المعروفة بالموضوعية والنزاهة". وبعد ارتفاع وتيرة التظاهر الشعبي الغاضب بجمهورية اليمن، يذهب الرئيس اليمني إلى القول بأن" الإعلام الخارجي يريد أن يشوه صورة اليمن"، واصفا ما تتناقله وسائل الإعلام من حراك جماهيري ضد نظامه بأنه حقد على تجربة بلاده الديمقراطية، وحقد على تضامن اليمنيين.
    ولم يكن في الواقع هذا الادعاء إلا وهم مجرد، أريد به تشكيل عالم نسج وفقا لرغبة الحاكم المتسلط، لكنه ظل عالما مفارقا لواقع مرير، يرزح تحت نير الفقر والتهميش والإقصاء والظلم والضياع، فضحه محمد البوعزيزي حين فضل ألم الاحتراق على لذة الحياة. ويتماهى زعيم الجماهير مع إرهاصات هذا الجنون، فيحول الوطن الليبي إلى ضيعة خضراء كما يتصورها مزاجه، كتاب أخضر ترجم إلى جميع اللغات الحية والميتة وطبع بكميات لم يطبع بها ملك الملوك القرآن الكريم نفسه.. علم أخضر.. جواز سفر أخضر.. لباس أخضر.. واجهات خضراء.. لافتات خضراء.. كراسي خضراء.. جيش أخضر.. مباني خضراء.. كل شيء ليس له إلا طعم ولون أخضر، إلى درجة مل معها الإنسان الليبي المقهور هذا اللون المحبوب بطبيعته، إنها سنة الله في الطواغيت، ألم يقل عز وجل على لسان الفرعون القديم:" مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"؟ ( سورة غافر 29)، إنها النرجسية القائمة على الاعتقاد الفرداني/ الشخصاني الذي يلغي الآخر، ولا يرى العالم من حوله إلا من خلال نفسه، أو من خلال ما يتوهم أنه السبيل الأمثل للرشاد، إنها المظهر الأولي لأعراض الإصابة بجنون السلطة.

الفرعنة

     من الإرهاصات الأولية لتفحش جنون السلطة، إسهاب البطانة السيئة في الإثراء والمديح على الحاكم المتسلط، والتزلف إليه بالمناورات السياسية الهادفة إلى التكسب والامتياز عن طريق تقوية حزب الحاكم، وتسهيل هيمنته على السلطة، هؤلاء المتزلفون هم المؤسسون الفعليون لفرعنة الحاكم وضخ مشاعر التميز في لا شعوره بالتكرار والعود، ومع إصرارهم وترصدهم واستماتتهم في النفاق والتملق، تتحول طبيعته من بشر عادي إلى زعيم مميز، خارق للعادة، لا يجاريه أحد في نظره الثاقب ورأيه السديد واختياراته الباهرة، ولا يماريه أحد في فتوحاته السياسية اللافتة التي لا يستطيع غيره الإتيان بمثلها، ومن هنا يبدأ تفرده بالسلطة واحتكاره لممارستها، فيصبح هو النظام وغيره الفوضى، وهو الاستقرار وغيره الاضطراب والاختلال، وهو السلم وغيره الحرب. فرئيس جمهورية مصر رأى في احتجاجات المصريين ضد نظامه مجرد أحداث تفرض على الشعب والقيادة الاختيار ما بين الفوضى والاستقرار، فهو الاستقرار –  إذن - وغيره الفوضى، وهو السلم وغيره الحرب الأهلية والاستعمار كما يرى زعيم ليبيا، وهو الأمن وغيره الإرهاب والانفصال كما يرى رئيس اليمن. ويعمق هذه المشاعر المؤسسة على غرام الحاكم بالسلطة، ما يصل إلى مسامعه من أشعار وملاحم ورسوم ومنحوتات وشعارات ممعنة في الإشادة بالمحاسن وطمس العيوب، إنها بطانة السوء التي تحفر - من حيث تدري أو لا تدري - قبر زعيمها؛ تحت تأثير المديح المزيف والإطراء المشبوه، يصبح المستبد مزهوا باستبداده، منبهراً بزعامته وعدله وحكمته، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن الكيفية التي تحول بها الاستفراد بالرأي إلى زعامة، والجور في توزيع الأرزاق إلى عدل، والجنون بالسلطة إلى حكمة.
     إن ما يبعث الصدمة الأولى في كيان مثل هذا الزعيم هو ما يصل إليه من شعارات مضادة في أول حركة احتجاجية، شعارات تهز من الكبرياء الذي تغلغل في وجدانه، فتصدر عنه ردات لا شعورية هي إلى السعار السياسي أقرب منها إلى التمظهر بسيميولوجية الاتزان والتماسك النفسي، وكلما تصاعدت وثيرة الاحتجاج كلما تفاقمت أعراض هذا السعار لتتحول إلى جنون بالسلطة طافح وفاضح، وبالتالي تشرع شخصية الحاكم المستبد في التداعي والانهيار، وبدلا من التسليم بالواقع والاستنكاف عن الغرور والطغيان، تدخل هذه الشخصية في دوامة لا متناهية من الإنكار والإسقاط والعناد والانتقام.

الاستهانة بالشعب والمبالغة في تحقيره

        كذلك أبانت الثورة المصرية عن عمق الاستخفاف والاحتقار الذي كان النظام البائد يعامل بهما شعبه البطل، فرئيس مصر قال بازدراء حين أخبر باحتجاج الجماهير:" خلوهم يتسلوا "، وابنه الموعود بإرث الرئاسة قال للصحافيين بسخرية مقيتة، حين سئل عما يمكن أن يقوله لشباب الفيس بوك المحتج:" أجيبوهم أنتم "، وكأنه ينأى بنفسه عن ترهات المراهقين، والزعيم الليبي ينظر إلى ما يجري في أرض ليبيا على أنه مجرد حركة لجرذان وفئران ومقملين منحرفين من متعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة, مهددا بحرب تطهيرية لإبادة الجماهير الليبية, وسحق الثوار من الصحراء إلى الصحراء شبرا شبرا بيتا بيتا دارا دارا زنقة زنقة فردا فردا, وإعلان الزحف المقدس على الأهالي.. الشعب مجرد شيوخ خاملين أو أطفال قصر؛ " أخرجوا من بيوتكم اسحبوا أطفالكم من الشارع .. أخذوا منكم أطفالكم يعبوهم ويسكروهم ويقولوا لهم عدوا للنار لكي يموتوا.."، ويخاطب رئيس العراق المزمعين على التظاهر:" من منطلق الحرص عليكم لا تشاركوا في التظاهر"، وكأنهم مجرد أطفال قصر، أو كأنهم- كما يرى الرئيس اليمني- مقلدين منبهرين بما يروج من حولهم من احتجاجات ومطالب،" ما يحصل في الشارع اليمني عبارة عن مقلدين، فاليمن ليست تونس ولا مصر والشعب اليمني مختلف". مردفا أنه:" علينا أن نحلق قبل أن يحلق لنا الآخرون .. وأن نصلح أنفسنا قبل أن يصلحنا الآخرون" .. من هم الجرذان ؟ أليسوا أبناء الشعب ؟، وهل في الدنيا عاقل يحكم الجرذان؟، هل في الدنيا عاقل يحكم الأطفال والقصر؟..

الانفصال عن الواقع

      من مؤشرات الإصابة بجنون السلطة انفصال المستبد عن الواقع، وبعده عن الإدراك الحقيقي لهموم ومآسي مجتمعه، فهو محيد ومعزول عن فهم أسباب الاحتجاج وبواعثها وأهدافها، هذا الانفصال ينتج قراءة غير سليمة لما يموج داخل بلده، إما عن قصد أو عن غير قصد؛ فتحركات الجماهير المحتجة لا تعدو أن تكون بالنسبة إليه إما عبارة عن خلايا إرهابية متسللة إلى البلد، وإما "عصابات ملثمة أقدمت ليلا على الاعتداء على مؤسسات عمومية وحتى على مواطنين في منازلهم في عمل إرهابي لا يمكن السكوت عنه، أحداث وراءها أياد لم تتورع عن توريط أبنائنا من التلاميذ والشباب العاطل، فيها أياد تحث على الشغب والخروج إلى الشارع بنشر شعارات اليأس الكاذبة وافتعال الأخبار الزائفة، استغلت بدون أخلاق حدثا أسفنا له جميعا وحالة يأس نتفهمها... لقد ركب هؤلاء المغالطون موضوع البطالة بتوظيف حالة يأس فردية مثلها يتكرر في جميع المجتمعات وفي عديد الأوضاع، مناوئون مأجورون ضمائرهم على كف أطراف التطرف والإرهاب التي تسيرها من الخارج، أطراف لا تكن الخير لبلد حريص على العمل والمثابرة....، ولم يبق للمغالطين غير ركوب الحالات اليائسة وخدمة الأطراف الحاقدة والالتجاء إلى الفضائيات المعادية"( كلمة الرئيس التونسي في خطبته  بعد تصاعد احتجاجات الجماهير).

العبث بالشرائع والقوانين

    من مؤشرات الإصابة بجنون السلطة تغيير الدساتير على هوى الحاكم، وتزوير إرادة الشعب في الاستفتاءات والانتخابات، وتوريث الأنظمة الرئاسية بتحويلها إلى ملكيات جمهورية ضدا على القوانين وأعراف الأنظمة الديمقراطية، الرئيس مبارك يعد لابنه جمال، والقذاقي يعد لابنه سيف الإسلام، وعلى عبد الله صالح يعد لابنه أحمد، إنه العبث بالدساتير من أجل التمسك الدائم بالسلطة مدى الحياة والعمل على توريثها، ( كان البرلمان اليمني قد وافق على مبدأ تعديلات دستورية أثارت جدلا واسعا في أوساط الحقوقيين اليمنيين لما استشعروه فيها من نزوات الحزب الحاكم الرامية إلى إعادة انتخاب الرئيس مدى الحياة بالرغم من استماتة المعارضة في رفض هذه التعديلات ).. العبث بالتعيينات الفردية بهدف استحواذ الحزب الحاكم على الحقائب السيادية، والسيطرة على مجلس النواب، وتسخير الولاءات، وشراء الذمم.. العبث بالحريات العامة وفرض حالة الطوارئ، وحظر التجمع والاحتجاج، وحظر التجول، وحظر الأحزاب والجمعيات، وتسخير الأمن السياسي لخدمة السلطة عوض خدمة الشعب، وإعلان الحرب الضروس في وجه المعارضة، واعتقال رموزها ونفيهم وتصفيتهم واضطهاد أسرهم، ومصادرة الكتب التي تمثل اتجاها معاكسا لثقافة النظام السائد وإيديولوجيته، والسيطرة على وسائل الإعلام.. إنه العبث بكل شيء.

التوزيع المجاني للتـــهم والتوظيف الهجين للإشاعة

     من مؤشرات الإصابة بجنون السلطة توزيع الأباطيل المضللة، وتلفيق التهم المجانية من أجل تكسير حركة الاحتجاج واختراقها، وبعث الريبة والشك في مشروعيتها، فقد اتهم الرئيس اليمني إسرائيل والولايات المتحدة بإدارة موجة الاحتجاجات التي تعم العالم العربي، وذهب إلى أن الأحداث التي يعرفها الوطن العربي «من تونس إلى سلطنة عمان..تدار من تل أبيب وتحت إشراف واشنطن»، معتبرا مطالب المحتجين المطالبين بتنحيه عن سدة الحكم، مطالب تدعو إلى التفرقة والانفصال ف" الذين يعتقدون أن عقارب الساعة ستعود إلى الوراء هذا أبعد عليهم من عين الشمس، وأبعد من تخيلاتهم.. فشعبنا في الجنوب هو ضامن للوحدة وقائدها وهؤلاء كاذبون، ويحلمون بعودة التشطير مثل الحوثيين الذين يحلمون بعودة الإمامة وكلاهما واهم"، واتهم علي صالح شعبه بتعاطي القات. وفي ليبيا اتهم المعارضون بتعاطي حبوب الهلوسة والهيرويين، وفي مصر اتهم شباب ميدان التحرير بتعاطي الفول المخصب، وفي العراق اتهم المعارضون بتعاطي المخدرات، وفي تونس اتهم الشعب المتظاهر بالتغرير ،" إننا نقول لكل من يعمد إلى النيل من مصالح البلاد ويغرر بشبابنا وأبنائنا وبناتنا في المدارس والمعاهد ويدفع بهم إلى الشغب والفوضى" (خطاب بنعلي الأول)، واتهم نائب الرئيس المصري عمر سليمان دولا وصفها بالشقيقة باتخاذ مواقف "غير شقيقة"تجاه مصر، والقيام بتحريض الشباب، واتهم حسني مبارك الإخوان المسلمين بالفوضى التي صار إليها ميدان التحرير من قتل وعنف، وفي رسالة صوتية بثها التلفزيون الليبي اتهم الزعيم الليبي المتظاهرين الذين يقومون بأعمال العنف في ليبيا بأنهم يخدمون مصالح زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، تحت تأثير حبوب الهلوسة.
    كل ذلك سعيا إلى نشر الفتن والإشاعات الملفقة في أوساط العامة، "ومعلوم أن الإشاعة تعد من الأساليب الحديثة لخلق عدو وهمي للنظام والدولة، يجعل الرأي العام الوطني مهووسا بوجود خطر وهمي يتربص بالدولة، ويحاول افتراسها في أية لحظة، وهنا يصبح من الميسور إصدار مختلف أنواع الإشاعات بشكل مهوّل وفي أي وقت، وهذا أسلوب يستخدمه الزعماء الديكتاتوريون في الغالب إذ يصنعون أمام نظر الشعب عدواً كبيراً وخطيراً ليواروا سياساتهم الخاطئة ويصرفوهم إليه بدلاً من قضاياهم المصيرية". (عبـد الفتـاح الفاتحـي)

نوبات جنون لسلطة

       من مستفزات جنون السلطة معارضة المتسلط في اختياراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهو يرى في هذه المعارضة مروقا عن نظام ملهم لا يرقى وعي الجماهير إلى إدراك أبعاده ومقاصده، وكلما اشتدت المعارضة وارتفع أجيجها كلما دخل في حالات متعددة من الارتباك والتناقض تفضحها مواقف ارتجالية في التعامل مع الأمر الواقع.
    من هذه الحالات الهذيان الفاضح، مثل: " أنا لست رئيس.. أنا رئيس رمزي" ، ".. السلطة سئمناها.. لن أتخلى عن السلطة".. "، ".. لن أترشح للرئاسة.. سأبقى فيها إلى أن تنتهي ولايتي".
    ومن ذلك أيضا حالة الهستيريا التي تنتابه، فيخاطب أتباعه بالثورة على الثورة، ويخرج على الجماهير فاقدانا لتوازنه متخبطا في قراراته، تفضحه نبرة الصوت والحركة والمظهر المشين.. يعتقل الأشخاص والكاميرات والهواتف المحمولة.. يقطع الماء والكهرباء ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية.. يدمر.. يخرب.. يفتح الأبواب لسجناء الحق العام.. يسلحهم ويؤلبهم على المظاهرين.. يبعث رجال الأمن بلباس مدني في احتجاجات مضادة تثير الفتنة والفوضى.. يسخر المرتزقة والبلطجية والحمير والبغال والجمال.. يريق الدماء.. يزهق الأرواح ويترك عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين والقتلى في الشوارع عبرة وموعظة لكل متظاهر محتج.. إنها سياسة الأرض المحروقة.. الطوفان المدمر الساحق الماحق.. أنا أو الفوضى.. أنا أو الحرب الأهلية.. أنا أو الاستعمار.. أنا أو انهيار السلام.. أنا أو الهجرة السرية.. " أنا صخرة صماء، صخرة صلبة، تحطمت عليها أساطيل أمريكا، ولا تتحطم عليها شرذمتكم أنتم".. "أنا المجد أنا الثورة أنا.. أنا .. أنا .."..إنه الانهيار العصبي والسياسي، إنه جنون السلطة الطافح.. جنون التمسك المستميت بها وعدم القدرة على استمراء الوجود خارجها، إنه الشعور اللامتناهي بالتوحد والاتحاد معها..

بقلم: عبدالجبار بهم
مراكش 2012

عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية