مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

المرجو من زوارنا الأعزاء مشاركتنا الرأي بالنقد والتوجيه لإثراء النقاش من أجل تنمية ثقافتنا القانونية والأدبية والفنية.

الزواج المختلط في مدونة الأسرة

 

 الزواج المختلط 
في 
  مدونة الأسرة

تقديم

في سياق التحولات الحداثية التي يمر بها المشهد التشريعي ببلادنا جاءت المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة امتدادا لثورة العهد الجديد، ثورة اتسمت بالجرأة والتغلغل في عتمات اجتماعية كاد يطالها النسيان. وإذا كان خروج  مدونة الأسرة إلى حيز الوجود حدثا تاريخيا يستحق التثمين والتشجيع بعد المصادقة النهائية عليها من طرف البرلمان، فإن ذلك استدعى مختلف الفعاليات للإسهام في إثرائها بغية الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق المجتمعي حول الصورة المثالية التي ينبغي أن تكون عليها مدونتنا الأسرية، وفي هذا الإطار يمكن التساؤل عن الكيفية التي عالجت بها المدونة مسألة الزواج المختلط؟، وما هي طبيعة هذه المعالجة؟.

أولا: الزواج المختلط في ظل التحرير والعولمة 
الزواج المختلط في مدونة الأسرة

 يؤرخ مطلع الألفية الثالثة بامتياز لانتعاش التواصل والاتصال، وفك العزلة عن الأمم والشعوب، وهي  صور مشرقة توجت مقتضيات العولمة في شقها الإيجابي الذي واكبه تزايد اهتمام المغرب بأوضاع جاليته بالخارج، وكذا أوضاع الأجانب المقيمين بالداخل؛ أوضاع تمازج فيها المغاربة بغيرهم تمازجا حضاريا أسفر عن بلورة زيجات مختلفة كان من نتائجها انفتاح الأسرة المغربية على أنساق مجتمعية متباينة يمكن رصد تجلياتها فيما يلي: 

  •         اختلاط الجنسيات داخل الأسرة الواحدة.
  •          اختلاط الديانات داخل الأسرة الواحدة.
  •          اختلاط العادات والتقاليد داخل الأسرة الواحدة.

الزواج المختلط في مدونة الأسرة - مدونة عبدالجبار بهم

وإذا كانت هذه التجليات تجسد في واقع الأسرة المغربية مظهرا إيجابيا  يخصب تلاقح الأفكار والقناعات، ويكرس ما يمكن الاصطلاح عليه بأسرة مغربية بلا حدود، فإن ذلك لا ينبغي أن يشكل في نفس الآن بؤرة توتر لتنازع الاختصاص بين القوانين المعمول بها في مجال الزواج المختلط، كما لا ينبغي أن يؤسس لبداية تمزق الهوية وانشطارها، وقد عالج التعديل الجديد، الذي جاءت به المدونة مواقع هامة في بنية الزواج المختلط؛ سواء على المستوى المرجعي أو على المستوى الموضوعي أو على المستوى الإجرائي، وإن شابت هذه المعالجة بعض الثغرات نقف عليها في حينها.

        ثانيا: الكيفية التي عالجت بها المدونة مسألة الزواج المختلط 

1- على المستوى المرجعي:

الزواج المختلط في مدونة الأسرة

 بخلاف ظهير 1957/09/22 المتعلق بمدونة الأحوال الشخصية المنسوخة، جاءت المدونة الجديدة واضحة ومسهبة في الكثير من حيثيات الزواج المختلط، وقد استثمرت اللجنة المكلفة بوضع المشروع  مختلف الاجتهادات التي توقفت عندها آلة التشريع المغربي في هذا المضمار، وهي اجتهادات ظلت متنأثرة هنا وهناك؛ من ذلك ظهير 1913/08/12 بشأن الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب، وظهير 1915/09/04 المتعلق بالحالة المدنية، وظهير 1958/09/06 الخاص بالجنسية المغربية، وظهير 1960/03/04 بشأن انعقاد الأنكحة بين المغاربة والأجنبيات أو المغربيات والأجانب، وظهير 1969/10/20 المتعلق باختصاص الأعوان الديبلوماسيين والقناصل، ومنشور وزارة العدل رقم 12 - 60 المؤرخ في 1960/04/28 المتعلق بتصحيح عقود الزواج المبرمة بالخارج ، والاتفاقية المغربية / الفرنسية الموقعة بتاريخ 1981/08/10 الخاصة بحالة الأشخاص والأسرة، ولذلك لم تغفل المدونة مختلف المواثيق الدولية  وما استقر عليه المذهب  المالكي خاصة والمذاهب الأخرى عامة.

2- على المستوى الموضوعي: 

ورد في الفقرة 4 من المادة 39 - بمناسبة الحديث عن الموانع المؤقتة للزواج - ما يلي: " زواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية"، وهي عبارة تضمنت الكثير من الدقة وتلافت  قصور النص القديم الذي  طالما أثار جدلا مطولا.

فاتضح أن المشرع المغربي بنى نظريته في الزواج المختلط على عنصر الديانة، وأن مدونة الأسرة إنما تخص المغاربة المسلمين والمغربيات المسلمات دون سواهم، منطلقا من ضوابط الشريعة الاسلامية المستخلصة من سور القرآن الكريك التالية: 

ففي سورة البقرة ( الآية 221 ) يقول الله سبحانه وتعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مومنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مومن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار، والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه، ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون". 

وفي سورة المائدة ( الآية 5 ) يقول سبحانه وتعالى: " اليوم أحل لكم الطيبات، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المومنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان، ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين" ( سورة  )، والجمهور على أن معنى قوله تعالى: ( أوتوا الكتاب ) هم اليهود والنصارى. 

وفي سورة الممتحنة ( الآية 10 ) يقول سبحانه وتعالى: "ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المومنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مومنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم وأنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن، ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليكم حكيم".

وبالتالي، كانت الخلاصة كما يلي:

  • -زواج المسلم بغير المسلمة زواج مختلط، وهو جائز شرعا وقانونا إذا كانت الزوجة من أهل الكتاب ( يهودية أو نصرانية )، وغير جائز شرعا وقانونا إذا لم تكن من أهل الكتاب ( مشركة أو كافرة... ).
  • -زواج المسلمة بغير المسلم زواج مختلط غير جائز شرعا وقانونا؛ سواء من أهل الكتاب ( اليهود أو النصارى ) أو من غيرهم ( المشركون والكفار ونحوهم ).

الزواج المختلط في مدونة الأسرة

3-على المستوى الإجرائي:

    لقد وفقت نصوص المدونة إلى حد كبير في لم شتات النصوص التشريعية والتنظيمية المتصلة بالزواج المختلط، فالمغاربة المقيمون بالخارج يمكنهم إبرام عقد الزواج  وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم طالما توفرت شروط قانون أحوالهم الشخصية ( المادة 14 )، مع ضرورة إيداع نسخة من العقد لدى المصالح القنصلية المغربية التابع لها  محل إبرام العقد داخل أجل ثلاثة أشهر ( المادة 15 / الفقرة 1 )، أو ترسل النسخة داخل نفس الأجل إلى وزارة الخارجية في حالة انعدام هذه المصالح ( المادة 15 / الفقرة 2)، وتتولى هذه الوزارة إرسالها إلى ضابط الحالة المدنية والى قسم قضاء الأسرة لمحل ولادة الزوجين ( المادة 15 / الفقرة 3 )، أو توجهها إلى قسم قضاء الأسرة بالرباط والى وكيل الملك لدى ابتدائية الرباط إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب ( المادة 15 / الفقرة 4 )، والملاحظ أن المشروع لم يحدد  أجل الإحالة في هذه الحالة، بيد أن الأخذ بمقتضيات المادة 68 يجعل الأجل هو 15 يوما .     

 وإذا كان أحد الزوجين قد اعتنق الإسلام أو كان أجنبيا، فقد اشترط المشروع  حصوله على الإذن بالزواج أو شهادة الكفاءة ( المادة 65 / الفقرتان 5 و6 )، وأي تدليس في الحصول عليها أو التملص منها يستوجب تطبيق مقتضيات الفصل 366 من القانون الجنائي، مع ضمان حق المدلس عليه في طلب الفسخ  والتعويض عن الضرر ( المادة 66 ) .

   وإذا أصدرت المحاكم الأجنبية حكما بالطلاق أو التطليق فإنه يكون قابلا للتنفيذ، طالما صدر عن محكمة مختصة وأسس على أسباب لا تتنافى ومقررات المدونة ( المادة 128 / الفقرة 2)، وفي حالة وقوع الطلاق أو التطليق داخل المغرب وثبوت الحضانة للأم فإنه يمكن للمحكمة بناء على طلب من النيابة العامة أو النائب الشرعي للمحضون أن تطعن في قرار إسناد الحضانة، أو في قرار لاحق بمنع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب دون موافقة نائبه الشرعي وتتولى النيابة العامة تبليغ الجهات المختصة بمقرر المنع  قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ ذلك، وفي حالة رفض الموافقة على السفر بالمحضون خارج المغرب، فإنه يمكن اللجوء إلي قاضي المستعجلات لاستصدار إذن بذلك، بيد أنه لايستجاب للطلب إلا بعد التأكد من الصفة العرضية للسفر، ومن عودة المحضون إلى المغرب ( المادة 179 ).

ثالثا : وضعية أطفال الزواج المختلط  في ظل مشروع المدونة

1 - التربية والتوجيه الديني للأطفال: 
الزواج المختلط في مدونة الأسرة

الزواج المختلط وفق المدونة هو زواج المسلم بالكتابية ( يهودية كانت أو مسيحية )، وهذا المفهوم يجعل تربية الأطفال وتوجيههم قائمين على  أساس المسؤولية المشتركة بين الزوجين طبقا لمقتضيات المادة 4 التي تنص على أن الأسرة تنشأ تحت رعاية الزوجين، والمادة 54 التي تنص في الفقرة 6 على أن للأطفال على أبويهم حقوق التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل.

 هذا الحق المشترك بين الزوجين في تربية الأطفال وتوجيههم يثير إشكالا في الحالة التي تجعل الكتابية من هذا الوضع حقا مكتسبا بقوة القانون، وتمعن في تربية الأطفال وتوجيههم وفق مقتضيات عقيدتها المتنافية مع عقيدة الزوج المسلم، سواء كان الإمعان ظاهرا أو باطنا، وهو ما ينعكس سلبا على نفسية الأطفال ويؤدي إلى الانفصام في تطورهم الوجداني، العامل الذي يتيح شرعية التساؤل التالي: إذا كانت الكتابية وفق مقتضيات المدونة قد اكتسبت المسؤولية التربوية بقوة القانون، فما هي حدود هذه المسؤولية ؟. وما هي الضمانات التي تجعل منها مسؤولية مؤطرة بمقتضيات قواعد الشرع الإسلامي؟، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار ما تؤكده المادة 154 التي تنص على أن الولد يتبع أباه في الدين والنسب؟.

2 - الأطفال المحضونون: 

  التساؤلات السالفة الذكر تفضي بنا إلى مطارحة وضعية الأطفال المحضونين من طرف الكتابية، بالنظر إلى أن الحضانة أعمق تأثيرا من مجرد الرعاية المشتركة بين الزوجين، فهي لحظة تداخل وجداني بين الحاضن والمحضون، وفرصة الحاضن في نحت النموذج الذي يأمل أن يتشكل على غراره  محضونه، وإذا كانت الفقرة 3 من المادة 173 تنص على أن من شروط الحضانة "القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته دينا وصحة وخلقا وعلى مراقبة تمدرسه"، والمادة 169 تلزم الحاضنة بواجب التأديب والتوجيه، فإن المنطق يستبعد إقبال الكتابية على تربية أطفالها وفق دين مطلقها المسلم، وكان حريا بمدونة الأسرة أن تدرج ضمن المادة 173 شرط الإسلام، حماية لديانة الطفل المسلم متى كان الحاضن غير مسلم، وذلك لاعتبارات يمكن اختزالها فيما يلي:

  •  عدم فاعلية الرقابة الخارجية على الحاضنة، وهي رقابة لم تغفلها بنود المدونة، لكن المعاشرة اليومية والملابسة المستمرة بين الحاضنة والمحضون تجعل فاعلية الرقابة متعسرة.
  •  حماية ديانة المحضون من أن يطالها العبث، وهو عبث بقيم العقيدة وبراءة الطفولة.
  •  تشجيع الحاضنات من أهل الكتاب على اعتناق الإسلام طالما كانت رغبتهم في رعاية المحضون قوية وملحة.

رابعا- النيابة الشرعية: 

الزواج المختلط في مدونة الأسرة

  لم تختلف المدونة الحالية ( المادة 230 ) مع النص القديم ( الفصل 148) في إسناد الولاية الشرعية للأم على أولادها عندما تتوافر الشروط الموجبة لذلك، مما يترتب عنه اكتساب الكتابية حق الولاية على أطفالها المسلمين بقوة القانون، والملفت للنظر أنها - وكما رأينا - ركزت باللفظ والمعنى على مسألة التوجيه الديني من جانب الولي لفائدة المحجور، حيث ورد في المادة 235 ما يلي: " يقوم النائب الشرعي بالعناية بشؤون المحجور الشخصية من توجيه ديني وتكويني وإعداد للحياة"،  فما هو نمط التوجيه الديني المرتقب من أم تدين باليهودية أو النصرانية لفائدة ابنها المسلم؟، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة  فأبواه  يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

ومما لا شك فيه أن ولاية غير المسلم على المسلم  محسوم فيها بصريح النص القرآني، وهو ليس مجالا للاجتهاد باعتبار قطعيته في الدلالة والثبوت، قال تعالى: "ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين". قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "وهذا يدل على قطع الموالاة شرعا".

        خاتمة:  

 إذا كانت المدونة قد  شكلت نقلة نوعية في حياة الأسرة المغربية، فإن الأمل يظل معقودا عليها للفصل في الكثير من تداعيات الزواج المختلط، لا سيما ما يتصل منها بعلاقة الزوجة بأولادها سواء في ظل قيام الرابطة الزوجية أو في مرحلة انفصامها، ولعل الضمانات التي نصت عليها في المواد 165 و 169 و 170 و 171 و 177 تبقى غير كافية في تناولها للحد من بعض الانعكاسات السلبية للزواج المختلط.. 

 . 

                                            بقلم: عبدالجبار بهم


عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية