مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

المرجو من زوارنا الأعزاء مشاركتنا الرأي بالنقد والتوجيه لإثراء النقاش من أجل تنمية ثقافتنا القانونية والأدبية والفنية.

الإنسان كائن قانوني | الإنسان كائن يختار ما يريد ولا يفعل ما يريد

 

  الإنسان كائن 
يختار ما يريد ولا يفعل ما يريد..

       تقديم استشكالي: هل الإنسان يفعل ما يريد؟-

       قد يبدو التساؤل في نظر البعض ساذجا وبيسطا؛ فالإنسان - طبعا - يفعل ما يشاء متى يشاء وحيثما يشاء، ولا حاجة لإقامة الدليل على ذلك.

     وقد يبدو في نظر البعض الآخر تساؤلا مستهلكا مملا، بل ومقززا في نظر الحداثيين، خاصة وأن المفكرين نفضوا أيديهم من اجتراره والبحث فيه منذ ظهر الإنسان على وجه البسيطة. 

     لكن الغاية من هذا التساؤل، ليست بالضرورة تحصيل أجوبة عفوية جاهزة، مفادها أن الإنسان يفعل ما يريد متى يشاء وحيثما يشاء، فأجوبة من هذا القبيل، هي بالتأكيد أجوبة مسلوبة الإرادة وبدون هوية ذاتية، لأنها محكومة بالمراس وما يترى للناس في المعتاد المألوف عن كثب

      كما أن الغاية من هذا التساؤل، ليست بالضرورة تحصيل أجوبة إيمانية / عقلانية، بشر بها الرسل والأنبياء ومحصها الفلاسفة والمتكلمون منذ عرفت الحكمة طريقها إلى أفئذة الناس وألسنتهم.

Man is a legal being
الإنسان يختار ما يريد ولا يفعل ما يريد

      أهداف التساؤل الإستشكالي-

      إن الغاية من هذا التساؤل، هي محاولة البحث في تساؤل يتولد من رحم الجواب عن التساؤل الآنف الذكر، ولنطلق عليه تسمية التساؤل المتجدد، بصرف النظر عن مرات هذا التجدد ومظاهره، وبصرف النظر عن صيغة الأجوبة التي ترافقه وخلفياتها؛ سلبية كانت أو إيجابية، عقلية كانت أو شرعية أو اعتيادية. 

      فالتساؤل المتجدد هو؛ إذا كان الإنسان فاعلا فيما يحيط به، أي أن الفعل منسوب إليه، وكانت تلك الفاعلية توحي بأنها تسري في الزمان والمكان، فهل هو - بهذه الفاعلية - يفعل ما يريد؟، بمعنى، أنه إذا كان الإنسان كائنا ذا إرادة حرة يتصرف بها ومن خلالها في ما يشاء، فهل هذه الإرادة فعل أم اختيار لفعل؟.

     تصرف الإنسان كما هو مشاهد بالملموس، عبارة عن حركة محدودة في الزمان والمكان؛ فهي حركة غير مطلقة في الكثير من مظاهرها؛ إذ أنها تشمل بعض التصرفات ولا تشمل كل التصرفات، وتلبي بعض الحاجات ولا تلبي مختلف الحاجات. وفي كل هذه المظاهر وغيرها سيبدو لنا أن الإنسان لا يستطيع النفاذ من مجرد فاعليته التي تفيد التصرف والاختيار، إلى فعالية تفيد الإرادة المطلقة في الكون الذي يحيط به.

      الإنسان لا يمتلك إرادة نافذة من الفاعلية إلى الفعالية-

Man is a legal being
الإنسان لا يمتلك إرادة نافذة من الفاعلية إلى الفعالية

     فالإنسان - بسبب عجزه - لا يمتلك إرادة نافذة من الفاعلية  إلى الفعالية، كما أن فاعليته تلك قاصرة على الأعراض ولا تمس الجواهر، نافذة في الجزئيات دون الكليات، ونافذة في بعض الموجودات من حول الإنسان دون سائرها. 

     وقد يبدو للإنسان أنه يفعل ما يريد، لكن في كثير من الأحيان يحصل على عكس ما يريد، وهكذا..، ولذلك فالفاعلية المفضية إلى الفعالية، هي حركة تسري في الزمان والمكان، تسري في الجوهر والمطلق، وليس ذلك في مقدور الإنسان ولا من صفاته، وحده الله سبحانه وتعالى هو الفعال لما يريد، لأنه إذا أراد شيئا، يكفي أن يقول له: "كن"، فيكون. ويتم ذلك بكيف لا يعلمه إلا هو، وبسرعة ونفاذ لايعلمهما إلا هو، وهذه هي الإرادة الحقيقة المطلقة.

      إذن هناك إرادة حقيقية في الفعل هي التي تجعل الفاعل يفعل ما يريد، بل ويترتب على فاعليته فعالية تتجلى في تدبير الأكوان والموجودات. 

      يتحصل من هذه النتيجة - إذن - الملاحظ التالية:

  • الملحظ الأول- إن الفعل في ذاته ينفعل بفاعل يتمتع بالفعالية.
  • الملحظ الثاني- إن الفعالية برهان قاطع على امتلاك الإرادة المطلقة.
  • الملحظ الثالث- إن الإنسان لا يملك إلا إرادة وهمية، تجعله يتخيل أنه يفعل ما يريد متى شاء وحيثما شاء، بدليل أن فاعاليته تلك تبقى محدودة في مختلف مظاهرها، وعاجزة عبر مختلف مساراتها.
  • الملحظ الرابع- إن ما يبدو أنه إرادة فاعلة ليس في الواقع إلا إرادة فعالة، من حيث قدرتها على الفعل والنفاذ، وبالتالي، فما يقوم به الإنسان بحرية واستقلالية من تصرفات وأفعال، تظل محصورة في حدود ما يمتلكه الإنسان من بدرى وسلطان وهيمنة، وقدرة الإنسان وسلطانه وهيمنته وغيرها، كلها صفات نافذة فيما يستطيعه الإنسان، أما ما لا يستطيعه الإنسان، فإن فعله فيه إنما هو محض اختيار.

      الإنسان كائن قانوني يختار ما يريد-

       وعلى هذا الأساس، فالإنسان لا يفعل ما يريد، بل إنه بالتأكيد يختار ما يريد، واختياره هذا إنما يتم على قائمة من الأفعال المسطرة سلفا؛ قائمة الخيارات هاته تتضمن كل ما في الوجود مما يحتاجه الموجود، والاختيار هنا يعني اتخاذ القرار الذاتي لتحمل التبعات والمسؤوليات؛ إذ لا يجوز عقلا وشرعا وقانونا أن يختار الإنسان فعلا بعينه، ثم يتملص مما يترتب عليه من نتائج؛ ولذلك صح للإنسان أن يقول بتلقائية: "فاتني القطار..."، دون أن يقول: "اخترت أن يفوتني القطار...". وقوله هذا من حيث ظاهره صحيحا، لأن القطار فاته حقيقة بفعل لم يفعله هو، فهو فقط إنما اختار من الأفعال جزيئات لم يكن من بينها حرصه على حضور محطة المسافرين قبل أن يفوته القطار.

      خاتمة-

     من هذا الاختيار المحض تأتي كينونة الإنسان القانونية، والقانونية هنا تعني الاندماج في نظام نسقي يحكم الوجود، نظام ينهض على قاعدة المقدمات ونتائجها. لذلك يستحيل أن تأتي الشرائع السماوية والقوانين الوضعية بإباحة أفعال أو تجريمها، دون أن ترتب على الإباحة والتجريم جزاءات. كما يستحيل أن يختار الإنسان من بين هذه الإباحات والتجريمات شيئا غير مقرر سلفا، وبإرادة فاعلة وفعالة ليس هو صاحبها.

بقلم: عبدالجبار بهم


عن الكاتب

عبدالجبار بهم افضل نشر كل ما اكتب من اجل تداول المعرفة ومناقشتها

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

مدونة عبدالجبار بهم من أجل ثقافة قانونية