الكاميرا الخفية في المغرب
مقدمة
الكاميرا الخفية من البرامج الترفيهية التي ابتكرها الإبداع الفني كعين نقدية لرصد ردود أفعال الناس إزاء المواقف المفاجئة، والمحرجة في الكثير من الأحيان.
وقد حولها المنشطون التلفزيون في المغرب كما في بعض القنوات الأخرى، إلى وسيلة للترويع والاستفزاز، وذلك بجعل ضيوفها أضحوكة بين الناس، هذا إن لم يكن الضيوف أنفسهم متواطئين على حساب جمهور المشاهدين وأعصابهم، الشيء الذي يدعو إلى القول بأن الكاميرا الخفية في المغرب انحرفت عن أهدافها، وسقطت في صور شتى من المخالفات الفنية والقانونية والأخلاقية، وهو ما يفرض طرح التساؤل التالي: هل يمكن اعتبار الكاميرا الخفية وفق مواصفات المنتوج التلفزي المغربي برنامجا ترفيهيا يستوجب التصفيق والرحاب، أم هي شكل من أشكال الاستفزاز الذي يستوجب الاستنكار؟.
أهداف الكاميرا الخفية
عناصر الإثارة في الكاميرا الخفية
مآىسي الكاميرا الخفية
تداولت بعض القنوات والمواقع الإلكترونية مشاهد تراجيدية مروعة لمواقف اصطنعتها الكاميرا الخفية، وذهب ضحيتها ممثلون وضيوف وتعرضت معها ممتلكات عامة وخاصة للتلف.
فبالإضافة إلى العناصر الفنية التي يتوجب مراعاتها لتقديم منتوج ترفيهي بمواصفات فنية، يتوجب تحري شروط الأمان والسلامة في إنتاج العمل الترفيهي، سواء على مستوى الأكسسوارات المستعملة أو الديكور أو المعدات والآليات التي يجب استبعادها عن الأسلحة بجميع أنواعها، أضف إلى ذلك المخدرات ونحوها؛ فتجربة الكاميرا الخفية - حتى على مستوى العالم - أبانت عن فضاعة وهول المآىسي التي تعرض لها ممثلون وضيوف على حد سواء؛ كمشهد تلك السيدة التي تدخل بيتها مرهقة من عناء التسوق، وما أن تفتح باب منزلها حتى ينقض عليها مقنع في صورة شبح، فتقفز خارج المنزل لتدهسها سيارة تقطع الشارع بسرعة مفرطة. ومشهد رجل عصبي يقصد صندوق البريد ليضع رسالته، فيفاجأ بالصندوق يلقى بها على الأرض، يحاول إعادتها المرة الثانية والثالثة، ولما يدرك أن يدا خفية بداخل الصندوق تعبث بمشاعره، يخرج من جيبه مسدسا ويطلق النار على اليد. ومثلهما مشهد رجل مفتول العضلات يلج مصعدا، وما أن يغلق عليه الباب حتى يجد نفسه وجها لوجه مع طفلة صغيرة، بلباس أبيض، وشعر أشعث، حافية القدمين، غائرة العينين، في وجه كوجوه الموتى، والأخطر من ذلك أنها تقف إلى جانبه، فلا يملك إلا أن تنقض عليها ركلا فيرديها صريعة. فمن المسؤول عن هذه المآسي على فرض أنها مآسي واقعية وليست خدع سينمائية أو مشاهد مفبركة؟، وإذا كان الممثلون ( الفيكيرون المشاركون في التشخيص )، يتفقون مقدما على القيام بمثل هذه الأدوار التي يدركون بلا شك خطورتها على أنفسهم، لاسيما إذا لم تكن شروط الحماية والأمان متوفرة، فهل يتفق الضيوف / الضحايا على فقرات الكاميرا الخفية؟.
الكاميرا الخفية لا تصنع مشاهد الاستغباء والاستبلاد
من خلال عرض التلفزة المغربية لردود أفعال جمهورها، يتضح أن العروض المقدمة مجرد مشاهد مبتذلة من حيث الموضوع والشكل، مما ينم عن استبلادها للجمهور المغربي واستغفاله، سواء من قبل مخرجيها أو من قبل ضيوفها. كما أن الأفكار المنجزة في تلك الأعمال تؤكد سوء فهم فضيع لرسالة الكاميرا الخفية ومقاصدها في التنشيط والترفيه، خاصة وأن عروضها تتوافق مع لحظات إفطار الصائمين في رمضان، وهي لحظات تتطلب صفاء ذهنيا وارتياحا نفسيا، ومن غير إنزعاج بمشاهد مروعة أحيانا ومقرفة أحينا أخرى، فالمواقف المفزعة التي يتآمر فيها المنتجون والضحايا على زعزعة مشاعر الصائمين وعواطفهم، هي موافق تفرض علينا انتقاد هذه الأعمال اللا إبداعية من أجل تقويمها والرفع من مستواها الفكري والفني، حتى لا تستمر في تفاهاتها القائمة على اجترار مواقف الاستفزاز والقرف والتعنيف النفسي، ونطالب الشخصيات المرموقة في عالم السياسة والرياضة والأدب والفن، أن يكفوا أنفسهم عن المشاركة المتواطئة في تفاهات الكاميرا الخفية وفق الصورة المنبوذة التي أشرنا إليها.
خاتمة
فالكاميرا الخفية تسعى إلى خلق جو من بالمتعة والانشراح، ليس فقط لفائدة جمهور المشاهدين، بل أيضا لفائدة الشخصيات موضوع المطب الذين يشعرون بنفس المتعة والانشراح، وهم يكتشفون أنفسهم من جديد إزاء مواقف متناقضة أو غامضة، أو إزاء أوضاع غير متوقعة، فيضحكون من أنفسهم على نفسهم راضين مرضيين، بل ويحبون أن يضحك معهم جميع الناس، ولا يحبون أن يجدوا أنفسهم في مواقف يصيرون معها أضحوكة بين الناس دون اعتبار لحالتهم الصحية. كما حدث للمرحوم الفنان محمد بنبراهيم، الذي تم إيقاعه في مطب عاطفي مستفز، دون الأخذ بعين الاعتبار أن الرجل كان مصابا بالسكري وضغط الدم.
المرجو من زوارنا الأعزاء مشاركتنا الرأي بالنقد والتوجيه لإثراء النقاش من أجل تنمية ثقافتنا القانونية والأدبية والفنية.