عقد الشغل بين الأصل
والاستثناء
-وجهة نظر-
بتاريخ 15 شتنبر 2011 صدر عن محكمة النقض قرار عدد
1069 في الملف الاجتماعي عدد 1077/5/1/2010، قضى بما يلي: "إذا كان
لطرفي عقد الشغل المؤاجر والأجير حرية إبرام عقد الشغل مدة محددة إلا أن توافقهما
يجب أن يأتي في نطاق المادتين 16 و 17 من مدونة الشغل، اللتان أورد فيهما المشرع
على سبيل الحصر الحالات الاستثنائية التي يسمح فيها بإبرام عقد الشغل لمدة محددة،
وعلى المحكمة إذا ما اعتبرت أن عقد الشغل الذي تم إنهاؤه من طرف المشغل محدد المدة
أن تبرز في تعليلها تحقق إحدى الحالات المنصوص عليها بالمادتين 16 و 17
المذكورتين، وإلا وجب الرجوع إلى الأصل الذي هو أن عقد الشغل يكون لمدة غير محددة،
وحق للأجير المطالبة بالتعويضات المستحقة عن إنهائه بصورة تعسفية من طرف المشغل".
في كثير من الأحيان نتمسك بالاستثناء
ونترك الأصل معتقدين أننا نطبق القواعد كما ينبغي، وهذه مشكلة عامة في حياتنا، تمس
الدين والأخلاق والقانون، من هذا القبيل مشكلتنا في التعامل مع طبيعة عقد الشغل؛ فبالرغم
من خضوع هذا النوع من العقود لإرادة الطرفين، إلا أن الأصل فيه أنه من العقود غير
المحددة بأجل، وهذه مسألة طبيعية، فالشغل هو الوجه الآخر للحياة لما ينطوي عليه من
حركة وكسب وإبداع، وعوارض الشغل ومعيقاته هي نفسها عواض الحياة ومعيقاتها، لأنها
تحول دون استمراريتها بكيفية طبيعية، كما هو الشأن بالنسبة للوهن الذي يعرقل نشاط الإنسان
وحركته، لذلك كان التقاعد، وكان التعاقد على التقاعد، أو التعاقد على جعل عقد
الشغل محددا بأجل، وكل ذلك مجرد استثناءات، ومن قبيل هذه الاستثناءات ما تنص عليه
المادتان 16 و17 من مدونة الشغل، حيث أتاح المشرع إمكانية إبرام عقد شغل محدد المدة في الحالات
التي لا يمكن أن تكون فيها علاقة الشغل غير محددة المدة، وحصر هذه الحالات في؛ حالة إحلال أجير محل أجير آخر توقف
عقد شغله، من غير أن يكون لذلك علاقة بممارسة حق الإضراب،
وحالة
ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة، وحالة الشغل الموسمي، وحالة فتح مؤسسة جديدة أو إطلاق
منتوج جديد
وحالة وجود نص تنظيمي خاص. وعند وقوع النزاع على المحكمة
أن تراعي القاعدة الأصلية التي هي أن عقد الشغل غير محدد الأجل، فإذا تبين خلاف
ذلك، واعتبرت أن عقد الشغل الذي تم إنهاؤه من طرف المشغل محدد المدة، توجب عليها
أن تبرز في تعليلها حيثيات ذلك ومسوغاته، وأنه كان من قبيل تحقق إحدى الحالات
المذكورة في المادتين 16 و 17.